التعاون المغربي الفرنسي والتحالف الاستراتيجي الجديد
الميزان/ الرباط: قطر الندى ديار*
almizan.ma
التعاون المغربي الفرنسي والتحالف الاستراتيجي الجديد
الميزان/ الرباط: قطر الندى ديار*
يدخل العالم مع التحولات السياسية التي يقودها الاقتصاد اليوم مرحلة تاريخية تعيد فيها الدول علاقاتها السياسية وشراكاتها في التعاون الاستراتيجي، ولذلك نلاحظ نشاط التحركات السياسية الدولية للدول، و تغيير دبلوماسيتها في سبيل تأمين استقلالية لاقتصادها، وفي الوقت ذاته تنويع الاقتصاد بتنويع الشركاء والانفتاح على شراكات خارج المنظومة الدولية التقليدية.
من هذا المدخل يمكننا قراءة التعاون المغربي الفرنسي الذي يعرف تحولا كبيرا في استراتيجياته، بل يمكن اعتبار الزيارة الرسمية لماكرون إلى المغرب مع ما تحمله من تحول في العلاقات المغربية الفرنسية، خاصة فيما يتعلق بالصحراء المغربية التي منذ الخطاب الملكي في الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، قد تحولت الصحراء المغربية إلى المنظور السياسي والديبلوماسي والاقتصادي الذي ينظر به المغرب إلى شركائه الدوليين والاقتصاديين، وذلك عندما قال جلالته بخطاب واضح: ” كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية”، محطة جديدة في العلاقات السياسية بعد الاستقلال.
بهذه الزيارة لماكرون، تكون فرنسا قد تجاوزت موقفها التقليدي من الصحراء المغربية، وتبنت موقفا داعما للصحراء المغربية، مما يأخذ العلاقات المغربية الفرنسية إلى مرحلة جديدة في التفاهم الدولي والتعاون الاستراتيجي والشراكة الاقتصادية وفق منطق رابح رابح.
نتيجة لهذا التطور الاستراتيجي في التعاون الدولي فقد تغير التصور السياسي حول المغرب، والتعامل مع الموقع الاستراتيجي الاقتصادي والسياسي الجديد للمغرب برؤية جديدة تستجيب لنوعية الشراكة الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالموقع الاقتصادي السياسي الجديد لإفريقيا اليوم، ولهذا تنظر الصين مثلا إلى المغرب باعتباره بوابة نحو إفريقيا، مما يعزز الشراكة الاقتصادية بين المغرب والصين، وهو ما ظهر بشكل قوي في منتدى التعاون الصيني الإفريقي لعام 2024 ، دون أن ننسى الخطوة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية ، باعترافها بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه، وتغيير إسبانيا لموقفها التقليدي اتجاه الصحراء المغربية ، وإعادة بناء تحالف اقتصادي سياسي مع المغرب، ودخول دول كبرى في تفاهمات اقتصادية مع المغرب بعيدا عن التحالفات التقليدية التي كانت تعتمد السياسة الإيديولوجية، مما جعل عدد القنصليات بالعيون والداخلة يرتفع، ويُؤكد هذا الارتفاع الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على صحرائه.
إن زيارة ماكرون للمغرب، هي زيارة فرنسا لمغرب جديد، يتعامل بمنطق رابح رابح اقتصاديا وسياسيا، مغرب يتجاوز منطق التعامل التقليدي الذي ظل يحكم العلاقات المغربية الفرنسية منذ استقلال المغرب، وينخرط في التحولات السياسية الدولية التي تجعل الاقتصاد وتنويع مصادره وشركائه مدخلا جوهريا للتنمية.
وبقراءة سياسية، فإن زيارة ماكرون للمغرب، يمكن اعتبارها أهم محطة تاريخية في العلاقات المغربية الفرنسية بعد الاستقلال لأنها تدخل بتفاهمات جديدة، وتتجاوز معيقات مرحلة الاستعمار، و تتبنى علاقات تقوم على منطق رابح رابح يكون فيها المغرب شريكا قويا بموقعه الاستراتيجي في إفريقيا، وتكون فيه فرنسا شريكا اقتصاديا بمواصفات التعاون الدولي الجديد.
إن انتقال الأقاليم الجنوبية المغربية اليوم إلى منطقة تنموية بامتياز، وأرض خصبة للاستثمارات، و بديل اقتصادي يُمَكِن أبناء الأقاليم من فرص العمل، يجعل هذه الأقاليم قوة ناعمة اقتصاديا وسياسيا، و يحول المغرب إلى وجهة دولية تجعله البوابة الاستراتيجية لإفريقيا.
*باحثة في العلاقات الدولية