“يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُون”
الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف

almizan.ma
*”يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُون”*
الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف
في لحظةٍ فارقةٍ بين الدنيا والآخرة، حين يُزاح الستار عن الحقيقة، ويظهر الوعد الرباني بأجمل صورة، حين يدخل المؤمن الجنة ويرى النعيم الذي وُعد به، لا تخرج منه كلمات الفخر، ولا تغلبه نشوة الفوز، بل يفيض قلبه بأمنيةٍ أعظم من كل شيء، أمنيةٍ تُخبرك عن جوهر الإنسان حين يكون صادقًا في محبته لقومه: *”يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُون”* ما أعمق هذه الأمنية حين تصدر من قلبٍ قد وصل إلى دار الخلود، لكنها لم تكن مجرد حسرة، بل كانت رغبةً في الخير، كانت دعوةً غير منطوقة، كانت أمنيةً تحمل بين سطورها حقيقةً قاسيةً لمن بقوا في الدنيا غافلين، لمن لم يُدركوا أن الفوز العظيم ليس في متاعٍ زائل، بل في لحظةٍ يُقال فيها: ” *قِيلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّة*َۖ قَالَ يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُونَ(26)” (سورة يس)، إن الإنسان، حين يُدرك النور، لا يحتكره لنفسه، بل يرغب أن يكون لغيره نصيبٌ منه، يرغب أن يكون من أحبهم معه، يرغب أن تُفتح لهم الأبواب التي فُتحت له، لكن الحقيقة تبقى: ليس الجميع يرى النور حين يكون أمامه، وليس الجميع يسير نحو الطريق حين يُرشد إليه، وليس الجميع يُدرك أن الفرصة التي بين أيديهم، قد تضيع في غفلةٍ لم يكونوا يحسبونها بهذه القسوة، *”يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُون”* هي أمنيةٌ تتكرر عبر الزمن، ليست فقط في ذلك المشهد الأخروي، بل في كل لحظةٍ يدرك فيها إنسانٌ الحق، لكنه يرى حوله من لا يزالون في التيه، في الغفلة، في السعي وراء دنيا لن تمنحهم أكثر مما أخذت منهم؛ فكم من قلوبٍ حملت النور لكنها لم تجد استجابة، وكم من نفوسٍ أرادت أن تكون سببًا في هداية قومها، لكنها اكتشفت أن البعض لا يُدرك الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، وكم من أرواحٍ عاشت بين قومٍ لو عرفوا ما عرفه، لكان لهم مصيرٌ آخر، لكنهم اختاروا ألا يعرفوا، فكان لهم طريقٌ لا يُغيره الندم مهما عظُم، وفي هذا الزمن، حيث تتكاثر الفتن، ويغرق الكثيرون في زخرفٍ زائل، يُصبح السؤال الأعظم لكل من أدرك الحقيقة: هل نحن ممن يُدركون أن الفوز الحقيقي ليس فقط لأنفسنا، بل هو في أن يكون لنا دورٌ في أن يُدركه غيرنا؟ هل نحن ممن يُحاولون أن يُنيروا الطريق لمن يهمهم أمرهم، أم أننا نكتفي بأن ننجو وحدنا؟ هل نحن ممن يُرددون هذه الأمنية قبل فوات الأوان، أم ممن سيقولونها يومًا بحسرةٍ لا ينفع معها الرجاء؟؛ فيا أيها القارئ، لا تجعل هذه الأمنية حسرةً تُقال يومًا، لا تكن ممن يُدركون الحقيقة بعد أن فات الأوان، لا تكن ممن يكتشفون بعد الرحيل أنهم كان يمكنهم أن يُضيئوا الطريق لمن حولهم، لكنهم لم يحاولوا، حتى أصبحت الحسرة هي الخيار الوحيد!، “اللهم اجعلنا ممن يدركون الحق في وقتٍ يكون فيه العمل ممكنًا، وممن تكون لهم من دعوتهم نورٌ لا يُغلق بابه يوم الحساب.”