السياسيةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

الله ربي

الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف

almizan.ma

الله ربي
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
الله ربي… كلمة تنبض بها الروح قبل أن تنطقها الشفاه، وتهمس بها القلوب قبل أن تدوّي في الآفاق، ليست مجرد عبارة نُلقّنها صغارنا، بل هي يقينٌ يَسكُنُ الضلوع، وسندٌ لا يَميل، وأمانٌ لا يَزول، قال الله: “إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ(51)” (سورة آل عِمرَان)، الله ربي… ما أعذبها من عبارة حين تنبع من أعماق القلب، لا مجرد لحن يمر على اللسان، بل يقين يسكن الفؤاد: الله ربي، …وحين تشتدّ الظلمة، وتضيق الأرض بما رحبت، وتتقافز الهموم كالأمواج في بحرٍ هائج، لا ملجأ للروح إلا أن ترفع بصرها إلى السماء وتهمس في خشوع: *الله ربي*، وحين تغدر الدنيا، ويخون القريب، ويجفّ معين البشر، يبقى الله وحده ملاذك، يسمعك حين لا يسمعك أحد، ويُجيبك ولو لم تَهمس بشكواك، “من عرف الله، لم يضق صدره ببلاء، ولم ييأس من رجاء”؛ و”إذا كان الله معك، فمن عليك؟ وإذا كان عليك، فمن معك؟” …”الله ربي، كلمة تُطفئ نار الخوف، وتُضيء درب الرجاء” و”من توكل على الله كفاه، ومن لجأ إليه آواه” قال الإمام الشافعي رحمه الله: “عليك بتقوى الله إن كنت غافلاً … يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري”، فحين تضيق بك السبل، وتتكاثف على صدرك غيوم الحيرة، لا يمد لك الأمل يدًا أصدق من هذه الكلمة؛ فالله ـ سبحانه ـ ليس غريبًا عن جراحك، بل هو أقرب إليك من حبل الوريد، يسمع أنينك الذي عجزت عنه الكلمات، ويُصلح ما كسرته الأيام فيك، حتى قبل أن تطلب، الله ربي… فلا أخشى الفقد، ولا أخاف من مخلوق، ولا أهاب المجهول، ولا أرتجف من قسوة الظروف؛ فكلما خذلتني الأبواب، فتَح لي من عنده بابًا لا يُغلق، وكلما سُدّت في وجهي السُبل، مهّد لي طريقًا لم أكن أراه، وهل يُضيّع الله من قال بقلبه قبل لسانه: *رضيت بالله ربًّا*؟ …عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه)). رواه مسلم. وفي زمن يلهث خلف المادة، وتغيب فيه القيم، تظل هذه الجملة القصيرة مرسى للنفوس التائهة، ودليلًا على أن الخير لا يُطفأ، وأن الرحمة لا تغيب، الله ربي، إذن لن أخاف، ولن أُذل، ولن يخذلني دربٌ سلكته إليه؛ فحين أقول “الله ربي”، لا أقولها هربًا من العالم، بل شوقًا إلى الحياة بمعناها الأوسع… حياة يسكنها الاطمئنان، ويرعاها رب لا ينسى، ولا يغفل، ولا يخذل من لجأ إليه؛ قال الله: “إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ(56)” (سورة هُود)، وفي كل لحظةٍ تمرّ، نحن في حاجة لأن نُجدّد هذا الإيمان. نُردده، لا كعادةٍ محفوظة، بل كعهدٍ متجدّد بيننا وبين السماء: إنك يا رب، أول ما نلجأ إليه، وآخر ما نطمئن إليه، وبين ذلك كلّه، أنت الرفيق والحسيب والكافي، قال الله: “فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ(129)” (سورة التوبَة)، …”الله ربي” تعني أن قلبي معلّق بعظمة لا توصف، بحكمة تتجاوز الظنون، وبرحمة تُغمر بها الجبال والبحار، وتفيض على الأرواح العطشى؛ تعني أني في حفظ من لا تغمض له عين، وفي كنف من لا يضيع عنده عمل، ولا تُنسى عنده دمعة، قال الشاعر: إذا ضاقت عليك الأرض يومًا … وضجّ القلب من ألمٍ دفينِ … فقل: الله ربي، لا سواه … هو الرحمن في ليلٍ حزينِ، …وقال آخر: الله ربي، لا أُبالي بمن بغى … ما دام قلبي في يقينٍ قد وعى … هو الحفيظ، هو النصير، هو الهدى … من كان في كنف الإله فقد نجا، …يا لروعة هذه الكلمة حين تُقال في لحظة ضعف، أو في زمن قوة، فهي في الحالتين انحناءة قلب لا جبهة، وانتصار هادئ لا يحتاج إلى تصفيق، قال الله: “…ِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ(30)” (سورة الرَّعْد)، و”من توكل على الله كفاه” “والثقة بالله أمانٌ لا يُخترق”، فيا من ضاقت به الدنيا، تذكّر دائمًا: الله ربي، ويامن اغترّ بماله وسلطانه، تذكّر قبل الغروب: الله ربي، إنها مفتاح السلام، وراية الطمأنينة، ونشيد الثقة بالله في زمن الشكوك؛ فليُصبح هذا الدعاء *هوية أرواحنا، وزاد قلوبنا، وهمسة صباحنا: الله ربي… لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم؛ فمن كان الله ربه، فلن يضل، ولن يذل، ولن يُخيفه زيف الدنيا ولا ضجيجها، *الله ربي… وكفى بالله وليًّا.*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى