الهجرة النبوية
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
ليست الهجرة النبوية حدثًا نحتفل به مرة في العام ونمضي، بل هي علامة فارقة في تاريخ أمة، وانطلاقة مشروع حضاري غيّر مجرى الإنسانية، فالهجرة لم تكن هروبًا من الأذى، بل كانت انتقالًا من الضيق إلى السعة، ومن الظلم إلى العدل، ومن الاضطهاد إلى الأمان، إنها قرار قائد حكيم، ربّى أتباعه على الصبر، ثم قادهم إلى الحرية؛ فالهجرة تعني أن الحق لا يُؤجل، وأن التغيير لا يأتي بالتمني، بل بالثبات والإرادة والعمل، لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة لا يملك سلاحًا ولا مالًا، لكنه كان يحمل في قلبه نور الإيمان، وفي عقله خطة بناء دولة، وفي صدره رحمة للعالمين، ومن المدينة المنورة لم تنطلق الجيوش أولًا، بل انطلقت القيم: العدل، الإخاء، رعاية الضعيف، احترام الآخر، وهناك تشكّل أول مجتمع حقيقي يعيش فيه المسلم واليهودي والمسيحي في ظل عقد يحفظ الحقوق ويضمن كرامة الإنسان، وفي زمننا هذا، حيث تكاد الإنسانية تختنق تحت ركام الظلم والجوع والدمار، تصبح ذكرى الهجرة صرخة وعي، وصفعة على وجوه الطغاة، ودعوة إلى إعادة بناء الإنسان قبل العمران، وإحياء الأخلاق قبل الخطط؛ فلنستقبل العام الهجري بروح الهجرة: هجرة من الضعف إلى القوة، من التبعية إلى السيادة، من الفُرقة إلى الوحدة، من الفساد إلى النزاهة، *كل عام وأنتم بخير، وجعل الله عامكم هجرة إلى كل ما يُرضيه.*
و *”جمعة مباركة”*