السياسيةالفقه والشريعةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّم

الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف

almizan.ma

أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّم
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
في رحاب الزمن، حيث تتداعى الأيام كأمواج لا تهدأ في بحر الحياة، يقف الإنسان متسائلاً، يبحث عن ملاذ ينقذه من زخم الدنيا وصخبها، هنا، يأتي الحديث النبوي كنسمة عليلة، تهمس في أذن الروح فتوقظها، فتعلن عن فضيلة شهر الله المحرم، الذي هو كالنجمة التي تهدي السائر في ظلمة الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان، وأفضل الصلاة بعد الفريضة، وهي صلاة الليل، تلك اللحظة التي يُسدل فيها الستار على ضجيج العالم وتختلط خفقات القلب بصفاء السماء، عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: *((أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ الله المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعدَ الفَرِيضَةِ: صَلاَةُ اللَّيْلِ)).* رواه مسلم.
إن شهر المحرم نفحات روحية تَشدو بها النفوس، وتفتح الأبواب المغلقة لبوابة الأمل والتوبة، هو كالفجر الذي يتسلل برفق ليُزيّن سماء الروح، ويطهرها من غبار الذنوب، ويعطي الإنسان فرصة لتجديد العهد مع ذاته وربه، وفي هذا الشهر، يجد الصائم نفسه كأنه يرتدي رداءً من نور، يحجب عنه زيف الحياة، ويُرشد خطواته إلى دروب الكمال، أما صلاة الليل، فهي ذلك الجسر الرقيق الممتد بين الأرض والسماء، حيث يلتقي العبد بخالقه في سرٍّ لا يراه إلا من وهبه الله هذا الفضل العظيم، هي زاد النفوس التي تشقى في دياجير الحياة، وبلسم القلوب المثقلة بهموم الزمان، إنها ساعة الصمت والتأمل، حيث تذوب الأفكار في بحر الذكر، وتتنفس الروح بأريج الإيمان، فيتماهى الإنسان مع ذاته في سكون تام، كأنه طير يحلق في فضاء السموّ، والعبرة هنا ليست في مجرد أداء الفريضة، بل في الإحساس بها، في أن يشعر القلب أنه في لقاء خاص مع ربه، حيث تتلاشى كل الضوضاء، ويعود الإنسان إلى أصله الطاهر، في زمن تشتت فيه الناس بين زحمة الانشغالات وشبح التهاون، تبقى هذه اللحظات كالجوهرة الثمينة التي تحفظنا من الغرق في تيه الحياة، فلتكن إذن صيامنا عن ذنوبنا، وصلاتنا عن الكسل، لنرتقي فوق متاهات الدنيا إلى فضاءات النقاء، حيث تنبت القلوب كزهور في بستان الله، تتفتح على نور المحبة والصدق إنها دعوة لكل نفس أن تحيا بوعي، تقتبس من روائع ديننا العظيم ما يعيد إليها هويتها، ويجعلها أكثر إنسانية وصدقًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى