الفقه والشريعةالقانــونقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

الاحتشام أدبُ الأرواح قبل هيئة الأجساد

الميزان/ الرباط؛ بقلم/أ. عبده معروف

almizan.ma

الاحتشام أدبُ الأرواح قبل هيئة الأجساد
الميزان/ الرباط؛ بقلم/أ. عبده معروف
ليس الاحتشام ثوبًا يُرتدى، فيُخلع عند انطفاء الضوء… بل هو حياءٌ يسكن في النظرة، ويهمس في الطريقة، ويرافق النفس حيث حلّت أو ارتحلت، إنه ليس سلوكًا تُمليه رقابة الخارج، بل انضباطٌ يولده رقيبُ الضمير… وإذا كان اللباس جدار الحياء، فإن الأخلاق سقفه، والخشية أعمدته، والنية زاده، وفي زمانٍ اعتاد أن يُقاس الجمال بكمِّ المكشوف، وأن تُعدّ الجاذبية بعدد الضحكات المرتفعة، والتعليقات اللاهية، بات مفهوم الاحتشام أشبه ببذرةٍ تُحاول أن تَنبت في صخرٍ أملس، ومع ذلك، فإنها تَنبت… لأن الحياة لا تَخلو من القلوب النقية، التي لا تُغريها الأضواء، بل تُؤنسها الظلال؛ فالاحتشام ليس انعزالًا عن العالم، بل هو التصالح مع الذات، ليس كبتًا للرغبات، بل تهذيبٌ لها، هو مشيةٌ لا تُثير الغرور، وضحكةٌ لا تستجلب النظرات، ونظرةٌ لا تنتهك حرمة، وكلمةٌ تمضي كنسمة، لا كريحٍ عاصفة، هو اتزان السلوك حين لا أحد يراك، وسموّ الخُلق حين يراك الجميع، أجل، هناك ضحكةٌ مُحتشمة… تخرج من القلب، لا تُقهقه بغير داعٍ، ولا تَفضح روحًا أرادت أن تبتهج في هدوء، وهناك مشيةٌ محتشمة… لا تُعاند الطريق، ولا تستجدي الإعجاب، بل تعبر كأنها أنشودةُ حياء تمشي على الأرض بسكينة، وهناك عاطفةٌ مُحتشمة… تُحب وتخشى، تُحسن وتستر، تُهدي وتبتعد، لأن قوتها في صمتها، لا في صَخَبها،.. إننا نحتاج اليوم أن نُعيد تعريف الجمال… لا بأن يُرى، بل بأن يُشعَر، نحتاج أن نغرس في أطفالنا أن الحياء ليس ضعفًا، بل ارتفاع، وأنّ من احتشم في زمن الانكشاف هو كالوردة التي أبت أن تُفتَح قبل أوانها، فاحتفظت بعطرها حين ذبلت كل الزهور،.. الاحتشام، موقفٌ حضاري لا مظهري، هو قناعةٌ لا تقليد، وعزةٌ لا تردد، هو ما يُبقي للإنسان مهابته، وللنظر وقاره، وللعلاقات إنسانيتها، فما أبهى قلبًا يختار أن يلبس لباس الطهر، وأن ينثر طيب الأخلاق حيث مرّ، وأن يكون ستارة خيرٍ في زمنٍ يُحترف فيه الكشف والتكشف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى