انتحار أستاذ ضحية إقصاء إداري وصمت مؤسساتي
الميزان/ الرباط: متابعة
اهتز الوسط التربوي المغربي على وقع فاجعة انتحار الأستاذ الشاب معاذ بلحمرة، حديث التعيين، إثر توقيفه عن العمل بشكل مفاجئ بسبب شكاية تتعلق بما سمي “العنف ضد تلميذ” في موازاة مع الأيام الأولى من يوليوز 2025 التي تصادق بداية العطلة الصيفية لرجال ونساء النعليم..
القصة بدأت بتكليف الأستاذ معاذ، رغم حداثة التحاقه بسلك التعليم، بالتدريس في ثلاث مؤسسات مختلفة في ثلاث جماعات ترابية متباعدة، وهو أمر نادر ومرهق لا يراعي الجانب النفسي و البدني للأستاذ الذي كان في بداية مساره المهني، ولا يسمح له بالاستقرار أو بناء علاقة تربوية طبيعية مع المتعلمين.
وسط هذا الضغط والتشتت، وجد نفسه في مواجهة إدارة متسلطة ومديرة كانت تردد على مسامع الأساتذة “والله حتى نربي البريهيش”، ما يعكس العلاقة اامشحونة القائمة على الترهيب بدل التشجيع، والإقصاء بدل الاحتواء. وبدل أن يجد الأستاذ معاذ من ينصت إليه أو يعينه على التكيف مع ظروفه المهنية الصعبة، وجد نفسه محاطا بالشكوك، محاصرا بالأوامر، ومراقبا بنظرة إدانة لا تنصف.
يضاف إلى ذلك حسب الروايات المتناقضة شكاية جمعية الآباء ضده تتهمه بالعنف تجاه تلميذ..
والغريب في الأمر أن عددا من أولياء الأمور أنفسهم نفوا تلك الادعاءات وسحبوا شكاياتهم، لكن الجمعية تشبثت بالموقف، لتدخل المسطرة التأديبية حيز التنفيذ، ويتم إيقاف الأستاذ عن العمل دون سلك المساطر القانونية في خرق سافر للقانون المنظم، ودون توقيع محضر الخروج من الدورة التكوينية التي كان يتابعها. هذا القرار الإداري القاسي لم يراع هشاشة الوضع النفسي للأستاذ، ولم يُبنَ على تحقيق متوازن، بل أتى بمثابة صدمة مهنية وإنسانية، قطعت خيوط الأمل التي كان يتمسك بها في بداية مشواره.
ما زاد من قسوة اللحظة، حسب ما تداولته عدة مصادر، أن الأستاذ تعرض للإهانة أمام زملائه، إذ تم ضربه من طرف حارس الأمن الخاص بمدرسته، وهو مشهد مهين يحطم كرامة أي إنسان مما يوضح بجلاء القطيعة الإدارية مع احترام خصوصية الأستاذ الذي مهمته الأولى تربية الأجيال. تلك الإهانة العلنية أسهمت في تعزيز شعور الإقصاء والمذلة، وهو ما يؤكده السياق العام الذي صاحب قرار التوقيف: لا سند قانوني، لا حماية قانونية، لا إنصاف، بل حكم جاهز بالإدانة دون محاكمة.. قرار بتعليمات خارجة عن سياق التربية والتعليم بل متطاولة على التشريعات القانونية المؤطرة للتشريع المدرسي..
الأستاذ معاذ لم يحتمل حجم الضغوط المتراكمة، ولم يجد في الوزارة ولا في الإدارة الإقليمية ولا حتى في اللجنة التي زارته، أي صوت يسمعه أو يواسيه أو يتفهم وضعيته.. كل الأبواب أُغلقت في وجهه، وكل الكلمات كانت ضده. وبين لحظة وأخرى، تحولت حياة شاب طموح إلى كابوس ينتهي بانتحار مأساوي.
ردود الفعل جاءت متأخرة. المديرية الإقليمية حاولت التخفيف من وقع الحادث بالتأكيد على أنها لم تحرم الأستاذ من مستحقاته، وأن الإجراء المتخذ كانت قانونية، في حين خرجت أصوات تربوية وحقوقية تدين الطريقة التي عولج بها الملف، وتطالب بفتح تحقيق شامل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من تسبب بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه المأساة. كما تقدمت برلمانيات بأسئلة كتابية إلى وزارة التربية الوطنية حول ملابسات التوقيف والمنع من التوقيع على محضر الخروج.
قضية معاذ ليست مجرد خطأ إداري، بل هي نتيجة مباشرة لنظام تربوي يفتقر إلى مقاربة إنسانية، ويختزل الأستاذ في رقم إداري دون الالتفات إلى وضعيته النفسية والاجتماعية. مأساة معاذ كشفت هشاشة المنظومة، وانعدام آليات الدعم والمواكبة، وغياب ثقافة الإصغاء داخل المؤسسات التعليمية.
انتحار معاذ لم يكن انتحارا فرديا، بل نتيجة عملية قتل بطيء مارستها الإدارة التربوية بوعي أو بدون وعي، حين لم تمنحه فرصة الدفاع عن نفسه، ولم تمنحه الأمان الذي يحتاجه كل من يقف في القسم ويحمل على عاتقه مسؤولية بناء مستقبل وطن.. فمن المسؤول؟
