*القرآنُ يخاطبك وحدك*
الميزان/ الرباط: متابعة بقلم/أ. عبده معروف
قال الله تعالى:
*”مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ* *وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ …(15)”* (سورة الإسْرَاء)،
*”وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ …َ(6)”* (سورة العَنكبوت)
*”قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَا*ٖ(104)” (سورة الأنعَام)
*”وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ(40)”* (سورة النَّمْل)
*”مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ ِ(46)”* (سورة فُصِّلَتْ)
*”…ومَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ …(38)”* (سورة محَمَّد)
*”وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ (18)”* (سورة فَاطِر)
*”ۚ فمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ …(10)”* (سورة الفَتْح)
*”وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ…(1)”* (سورة الطلَاق)
*”وَمَن يَكۡسِبۡ إِثۡمٗا فَإِنَّمَا يَكۡسِبُهُۥ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۚ …(111)”* (سورة النِّسَاء)
أيها القارئ الكريم، إن في كتاب الله آيات لو تدبرها المرء لأبصر موضع قدميه في هذه الحياة، ولأدرك أن سعيه ومصيره ومآله مرهون بنفسه لا بغيره، تقرأها فتشعر كأنها تخاطبك وحدك، تضعك في وجه الحقيقة المجردة: *”مَنِ اهتدى فإنما يهتدي لنفسه…”* وكأنها تقول لك: لا تنتظر من غيرك أن يحمل عنك عبء الطريق، ولا تعتذر بالناس إذا زلّت قدماك، فإنك وحدك في هذا الامتحان، إنها آيات تُنزل المسؤولية عن الأعناق ولا ترفعها، تُعيد الإنسان إلى مركز اختياره وإرادته، تُسقط وهم الضحية وتُنبت شجرة المحاسبة في أرض النفس، فالهدى لك، والجهاد لك، والشكر لك، والعمل الصالح لك، والبخل عليك، والتزكية لك، والنكث عليك، وتعدي الحدود ظلمٌ لنفسك، والإثم لا يطال غيرك، ألا ترى، أيها الصادق مع نفسه، أن هذه الآيات رسمت حدود العدل الإلهي بمنتهى الجمال؟ لا أحد يُظلم، ولا أحد يُحاسب بغير ما كسبت يداه؛ فليست الجنة ميراث قوم دون آخرين، ولا النار قدر حتمي لطائفة بعينها، بل كل نفسٍ بما كسبت رهينة؛ وما أغنى عن المرء علمه إن لم يحمله إلى الخير، ولا ماله إن لم ينفقه في سبيل الفضيلة، ولا جماله إن لم يُقربه من الله، وكذلك نقول اليوم: ما أغنى عنك الناس إن لم تَخُض معركتك مع نفسك، فيا ابن التراب، لا تلتفت إلى سقطات غيرك فتحتج بها، ولا تنتظر أحدًا ليبدأ قبلك، بل كن أنت أول من يشكر، وأول من يهتدي، وأول من يجاهد، فإنما تسير إلى ربك وحدك، وتُبعث إليه وحدك، وتُجازى بين يديه وحدك؛ فطوبى لمن عرف نفسه، فحاسبها قبل أن يُحاسب، وأعد للسؤال جوابًا، وللزاد إخلاصًا، وللرحيل قلبًا حيًّا لا يعتذر إلا من نفسه، ولا يرجو إلا فضل ربه؛ *فالإنسان مسؤولٌ عن نفسه* وما أبهى هذا المعنى الذي يُطوّق الوجود في كلمات قليلة، تُلخّص رحلة الإنسان بين الصواب والخطأ، بين السعي والكسل، بين الحكمة والجهل؛ فكل خطوةٍ يخطوها المرء، إنما يخطوها لنفسه، وكل رأيٍ يتّخذه، إنما يتّخذه لنفسه، وكل اختيارٍ يحسمه، فهو أول المستفيدين منه أو أول الضحايا إن كان اختياره خاطئًا؛ فالمهتدي لا يهدي إلا نفسه، والمجاهد في سبيل الخير إنما يجاهد لنفسه، والمبصر للحق إنما يُبصر لحياته، والشاكر للنعمة إنما يزيدها في قلبه قبل أن يراها في يده؛ فالإنسان، مهما التفت حوله، لا يحمل إلا نفسه، ولا يجني إلا من بذر يديه؛ فلا تُعلّق خطاياك على غيرك، ولا تُسوّغ إخفاقك بغيرك، فأنت وحدك القائد في سفينتك، وأنت وحدك المُحاسَب على وجهتك، فإن أحسنت المسير، فلتُبشر بثمرات اجتهادك، وإن أسأت الاختيار، فلا تلومنّ إلا نفسك، وكم من شخصٍ وقف في مفترق الطرق، يُلقي اللوم على الدنيا، على الناس، على الظروف، على القدر، لكنه نسي أن الأقدام التي تقف هناك هي أقدامه، وأن القرار الذي يُحير عقله هو ملكه، لا ملك أحدٍ غيره،.. إن الله لم يُجبر أحدًا على طريق، ولم يسلب أحدًا القدرة على التفكير، بل منح الإنسان بصيرةً إن أراد أن يُبصر بها، وقلبًا إن شاء أن يُطهّره، وعقلًا إن شاء أن يُجاهد في سبيل الوعي؛ فمن نكث بالعهد، فما ضرّ إلا نفسه، ومن تجاوز الحدود، فما ظلم إلا قلبه، ومن بخل، فما بخل إلا على أيامه التي لن تعود، ومن فسدت نيته، فما أفسد إلا مآله الأخير، ألم تقرأ يومًا قول الله: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”؟ فالتغيير يبدأ منك، لا من غيرك، من قرارٍ تتخذه، من لحظةٍ تستيقظ فيها، من إدراكٍ يُشعل في عقلك نورًا لم يكن قد أضاء من قبل؛ فإن كان الإنسان مسؤولًا عن نفسه في هداها وضلالها، في رُقيها وسقوطها، فهل يليق به أن ينتظر من يُمسك بيده ليقوده؟ أم أن الأجدر به أن يعي مسؤوليته، ويُمسك زمام ذاته قبل أن يُضيّعها؟ فقم، أيها الإنسان، واحمل نفسك حيث يجب أن تكون، فما أعجز أن يقف المرءُ يترقب من الدنيا أن تتغير له، وهو في ذاته لم يُغير شيئًا، *ألا تعقلون؟*