من جهلها.. “لهم أعين لا يبصرون بها”
الميزان/ الرباط: الدكتور محمد جودات
“لهم أعين لا يبصرون بها”؛ فعندما يكون الموضوع هو الذات فالمشروعية العلمية لا تتوفر لرؤية وتحليل الحقيقة، لذلك عندما يقول وزير العدل بأنه لا يرى الفساد فهو محق؛ لأنه لم يتذوق مرارة معاناة البؤساء عندما تحولت صفقة الخرفان خلال عيد الأضحى الماضي من حلم للفقير لشراء خروف العيد إلى ملايين تضاف في جيوب (الفراقشية) الجدد، ولم يتألم كما يتألم من توجهه المستشفيات العمومية إلى المستشفيات الخاصة التي صدم الجميع عندما كشف خبر تلقيها (إعانات) من ميزانية تتغذى من جيوب المواطنين، ولم يتألم سيادة الوزير من قصة الدقيق التي تبين أن المغاربة كلهم لم يفهموا بلاغة البرلماني الذي عبر عنها صراحة ليتراجع ويوضح أنه يقصد المعنى الثاني الذي يفسره جان جاك لوسيركل ولم نفهمه حتى نحن الذين ندعي أننا من فقهاء البلاغة.
السيد الوزير الذي سجل نظرية (باه لاباس عليه) لا يعرف معنى الفساد ولا يراه لأنه لم يذق مرارة العيش في انتظار المرتب الشهري الذي لايدخل جيب الموظف لأن المدارس الخاصة وقروض السكن تجففه من منبعه، ولم ينتظر قدوم الحافلة المكتظة بالنساء اللواتي يخرجن للعمل قبل الفجر من أجل لقمة لا تكفي الزوج العاطل عن العمل بسبب برجوازية متعفنة طردته من العمل لمجرد احتجاج عن حقه، واستغنت عن شباب عاطل مدمن تائه في الملاعب لتشجيع الفرق الرياضية.
السيد الوزير لا يمكن أن يرى الفساد في وزارة من أغنى الوزارات وتقدم 300 درهم شهريا لفقهاء المساجد الذين ننتظر منهم الدفاع عن المذهب المالكي وتوابث الأمة…
والسيد الوزير لم يطلب موعدا لإجراء عملية ما من مصحة عمومية تبرمج لقاءه لاستشارة مختص بعد سنة، ولم يذق مرارة تلاعب (فراقشية) الصحة في المصحات الخاصة التي تطلب من البؤساء الأداء ودفع شيكات ضمانة قبل العمليات الجراحية التي لا أحد يضمن نزاهتها…
والسيد الوزير لم يذق مرارة طوابير حاملي الشهادات المعطلين الذين توزع أمام أعينهم المناصب لأغنياء الحرب وسماسرة الأحزاب ورواد الدعارة الثقافية حتى في أكثر المواقع العلمية الحساسة، حتى صار أصحاب المناصب العليا لا يستطيعون مجرد قراءة ورقة بلغة سليمة…
السيد الوزير لا يرى الفساد ويطمئن الفاسدين؛ فالقانون لا يسمح للمواطن البسيط أن يتهم أحدا مثل نموذجه المتخلف من بلد متخلف من العالم الثالث في أقصى بقاع الأرض. ولم يجد الوزير النموذج في الدول الغربية القريبة التي يسجن فيها المسؤولون الفاسدون أو يقدمون استقالاتهم على أبسط الحالات التي يمكن أن تكون دلالة فشل سياساتهم.
كان عليك السيد الوزير أن تنظر إلى التجارب الناجحة قبل أن تعلن فشلك في رؤية الفساد الذي لا ينكره أحد بدءا من الملك الذي أشار علنا برمزية عالية لا يفهمها السياسيون الذين لفظتهم المسؤولية.
وكان على كل الذين يضيقون على حرية الصحافة والمجتمع المدني في التنديد والتعبير والتبليغ عن الفساد أن يدركوا أن القناع كشفته الرقمنة والعولمة التي مكنت كل الناس أن يعبروا عالميا. وهي التي تجاوزت كل السياسيين في فضح الحقيقة، حقيقة السياسيين الأقزام الذين منعتهم مواقعهم وجنسياتهم الفرنسية أن ينظروا إلى الواقع.