
almizan.ma
الحكمة السابعة
(لا يُشَكّكَنَّكَ في الوَعْدِ عَدَمُ وُقوعِ المَوْعودِ، وإنْ تَعَيَّنَ زَمَنُهُ؛ لِئَلّا يَكونَ ذلِكَ قَدْحاً في بَصيرَتِكَ وإخْماداً لِنُوْرِ سَريرَتِكَ).
تعريفات:
التشكك: تردد وحيرة بين إيقاع الشك ونفيه. وهو أحد مراتب الإدراك الأربعة: اليقين والظن والشك ثم الجهل. فالشك قادح في الإيمان عند الجميع لأن الله تعبدنا بالظن واليقين.
الوعد: الإخبار بوقع الشيء في محله، أي بعد تحقق شروطه وارتفاع موانعه.
تعين زمنه: حدد زمنه.
القدح: التنقيص في الشيء والغض من مرتبته.
الإخماد: الخبو وخفاء الشيء بعد ظهوره. وهو تحويل مادةٍ ما من حالتها النشطة إلى حالة أخرى تكون فيها غير فعّالة.
البصيرة: نظر القلب (وقد تقدم شرحها). وهي قوة مدركة للمعاني.
السريرة: قوة قابلة للحقائق. فالسر والنفس والعقل والروح في الإدراك شيء واحد، وإنما تختلف التسامي باختلاف المدارك. فالنفس مدركة للشهوات، والعقل مدرك للأحكام الشرعية، والروح مدركة للتجليات والواردات، والسر مدرك للتمكنات والتحقيقات. وعند الجرجاني في تعريفاته، هي لطيفة مودعة في القلب كالروح في البدن، وهو محل المشاهدة كما أن الروح محل المحبة، والقلب محل المعرفة.
فهذه الحكمة متممة لما قبلها. فبعد أن بين لك أنك متعبد بالدعاء كما أنك متعبد بالتسليم والتفويض فبذلك صح لك التوسل إلى سؤال ما وعدك به، وأنه سبحانه ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ، وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُه سبحانه لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُريد، مرادك ما يراد بك واختيارك ما اختير لك إذ لا إرادة للعبد مع سيده. لفت نظرك إلى عدم إساءة الأدب بالتشَكّك (في الوَعْدِ بعد عَدَمُ وُقوعِ المَوْعودِ وإنْ تَعَيَّنَ زَمَنُهُ) لتعلقه بشرط مستور رعاية لجناب الربوبية وكمال قهرية عزته وحكمته تحقيقا لاضطرارك إليه (أمن يجيب المضطر إذا دعاه). فاستجابة الدعاء مشروط بالاضطرار إليه سبحانه، وهو ألا ترى لنفسك عملا بين يديه وذلك حال شريف ومقام منيف يعسر على العبد تحقيقه في جميع حالاته إلا على من يسره الله إليه. فالعبد فقير إلى رعاية ربه وحفظه له، مؤدب بحضرة مولاه، ساكن إليه فيما وعده حسن الظن به لا يتزلزل موعود سيده في قلبه، ينجز وعده لا محالة، معترفا بتقصيره في خدمته (لئَلّا يَكونَ ذلِكَ قَدْحاً في بَصيرَتِه وإخْماداً لِنُوْرِ سَريرَتِه). طالبا الجنة جهده، وهاربا من النار جهده، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره وإن الدنيا محفوفة باللذات تقرب المسافة والشهوات، فلا تلهينك عن الآخرة.