جنوب إفريقيا .. الانتعاش المفاجئ في الناتج الداخلي الخام لا يخفي مرارة الواقع الاقتصادي
جوهانسبورغ – شهد الناتج الداخلي الخام في جنوب إفريقيا انتعاشا خلال الربع الثاني من العام الحالي بمعدل نمو بلغ 3.1 في المائة، بعد الانخفاض الذي شهده في الربع الأول، وهو ما يجنب البلاد وضعية ركود، إلا أن هذا الانتعاش المفاجئ لا يخفي واقعا مريرا لدولة تعاني أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة.
فقد كانت البلاد تبدو، في ظل تراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 3.2 في المائة في الربع الأول من العام الجاري، على حافة ركود من شأنه أن يزيد من قتامة الآفاق الاقتصادية الباعثة على القلق أصلا.
وتشكل أزمة الكهرباء الحادة التي تعصف بالبلاد، مع انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد، والانقسامات التي تهز أركان المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، عوامل مساهمة في استفحال الأزمة.
واعتبر الرئيس سيريل رامابوسا، الذي يكافح من أجل إعادة عجلة الاقتصاد إلى السكة الصحيحة، أن المعطيات الجديدة الصادرة عن دائرة الإحصاء الحكومية تتيح نفسا جديدا، وأن انتعاش الناتج الداخلي “مؤشر إيجابي” على تحسن الأداء الاقتصادي.
وقال رامابوسا، الذي ما فتئ يردد منذ توليه مقاليد البلاد في أوائل سنة 2018 أنه يسعى إلى إعادة تنشيط اقتصاد البلاد وخلق فرص الشغل وجذب استثمارات أجنبية جديدة، دون أن يفلح في تحقيق ذلك حتى الآن، إن الأمر يتعلق ب”أخبار سارة” للبلد.
وتوضح دائرة الإحصاءات الحكومية، في تقريرها، أن الانتعاش القوي المسجل في الربع الثاني يعزى إلى الأداء الجيد لقطاعات التعدين والتمويل والتجارة والخدمات العمومية.
ولم يجد اقتصاد جنوب إفريقيا، القوة الاقتصادية الثانية في القارة، طريقه إلى التعافي من الأزمة المالية التي هزت اقتصادات العالم في 2008، إذ ظل نمو الناتج الداخلي الخام في جنوب إفريقيا منذئذ ضعيفا جدا.
وسجلت نسبة النمو، في 2018، 0,8 في المائة بينما يتوقع البنك المركزي للبلاد تحقيق نسبة أضعف (0,6 في المائة) هذه السنة.
ويؤدي هذا المناخ من التباطؤ المزمن إلى تفاقم العلل الاجتماعية التي تعاني منها البلاد، ولا سيما استشراء معدل البطالة الذي يؤثر على حوالي 30 في المائة من الساكنة النشيطة، وفقا للأرقام الرسمية. وتسجل البطالة معدلات أعلى في صفوف الشباب تصل إلى 50 في المائة، باعتراف رامابوسا نفسه.
وخلافا للنبرة المتفائلة التي يبديها الساسة، يعتقد المحللون في المركز المالي لجوهانسبرغ أن التعافي الذي سجله الربع الثاني غير كاف.
وفي هذا الصدد يقول المحلل مايك شوسلر إن “المعدل الذي أعلنته إدارة الإحصاء أقوى من توقعات السوق، لكنه يبقى غير كاف”.
ويضيف المحلل الاقتصادي أن هذا الانتعاش يبقى إيجابيا ويبين أن اقتصاد جنوب أفريقيا ما يزال قادرا على الصمود، معترفا مع ذلك بأن ثقة المستثمرين ستظل ضعيفة طالما ظلت أسباب فقدان الثقة قائمة.
وتوقع شوسلر انخفاضا في النمو الاقتصادي للبلاد في الربع الثالث إلى أقل من 1 في المائة.
ويشاطر نيد بنك، وهو أحد البنوك الرئيسية في المركز المالي في جوهانسبرغ، هذه التوقعات المتشائمة، معتبرا في تقييم له أنه “لا توجد مؤشرات على أن الاقتصاد سيشهد انتعاشا حقيقيا”.
واستدل البنك على ذلك بكون الاقتصاد لا يزال متأثرا بانقطاع التيار الكهربائي وباضطرابات السوق العالمية وبضعف ثقة المستثمرين.
ويؤكد محللون آخرون على ضرورة إرساء حكومة جنوب إفريقيا لأسس متينة لسياسة كفيلة بتبديد حالة الغموض التي تطغى على الآفاق الاقتصادية للبلاد.
ومع ذلك، يبقى هذا الهدف مؤجلا بسبب موجة العنف الأخيرة التي تستهدف الأجانب.
وأسفر العنف الذي يستهدف على الخصوص مواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء عن مقتل خمسة أشخاص منذ الأحد الماضي.
ويرى محللون أن أعمال العنف المتكررة في البلاد أساءت إلى صورة جنوب إفريقيا، وقد تزيد من قتامة الآفاق في بلد يعاني ويلات الجريمة المزمنة.