إفهام المواطنين لمبرر احتجاج المحامين: أنتم معنيون
الميزان / الدار البيضاء: ذ . محمد الشمسي
almizan.ma
أيها المواطنون أيتها المواطنات، شدكم توافد المحامين من كل ربوع المغرب أمس الجمعة نحو قلب العاصمة الرباط قبالة مقر وزارة العدل يهتفون يصيحون يحتجون مرتدين بذلهم المهنية التي ألفوا ارتداءها داخل المحاكم دون سواها.
لعلكم تتساءلون عن سر هذا التجمع العظيم الغفير ، وكيف للمحامي أن يُظلم وهو ملاذ المظلومين؟ ولماذا؟ ومن؟ وهل؟ …
فكما لا يخفى عليكم فإن كل المهن إنما خلقت من أجل المواطن و لتقدم خدماتها له بما يحمي مصالحه ويراعي حقوقه، والمحاماة بتاريخها ونبلها ودورها إحدى تلك المهن.
الذي وقع يا سادة أن الأجواء العامة للمحاماة فرضت وضع قانون جديد ينظم المهنة، يتخطى عثرات نظيره الحالي، ويراعي المستجدات، ويكون قانونا عادلا متوازنا وجديدا، وقد صاغت وزارة العدل ذات سنة مضت مقترحها في النازلة، وعرضته على الهيآت المهنية للمحامين وأقصد 16 هيئة في مجموع مغربنا الحبيب، قصد التشاور والتباحث بصدده عملا بالديمقراطية التشاركية، ولأن المحامين يخبرون القوانين فقد أدلوا بملاحظاتهم مكتوبة حول المشروع وسلموها لوزير العدل الذي هو في نهاية الأمر محام من قبيلة المحاماة.
وقد رام وزير العدل صمت طويلا شبيها بسبات الدببة القطبية عن موضوع المشروع والمقترح والملاحظات، ظنناه عدل عن الأمر عدولا، وذات يوم من أيام شهر أكتوبر الحالي فوجئ المحامون بوزير العدل ينشر عبر وسائل التواصل والتراسل مسودة لقانون المهنة، لا تتضمن ملاحظات المحامين، وتتضمن بدلا عن ذلك تراجعات عن سيرتها الأولى، وتحوي في بنودها ما يعتبر تحقيرا وتنقيصا من المحامين والمحاماة. ( أصوغ لكم مثالا أن وزير العدل تفتقت عبقريته وقرر أن يجعل للمحامين رتبا ونياشين يجري تعليقها على البذلات والأكتاف، كما هو معمول به في أسلاك الشرطة والجيش وغيرها)، والحديث يطول عن مساوئ مسودة الوزير.
وعندما شعر وزير العدل أن تسريب المسودة جر عليه سخطا عارما، قرر اللجوء لإحدى المحطات الإذاعية لينشر غسيل مسودته، ويتحدث بدون حرج ولا خجل عن اجتماعاته السرية بمحامين لم يسمهم بالإسم ولا بالصفة، وعدهم ووعدوه، وسلمهم وتسلموا منه، وتواطأ المجتمعون على تمرير المسودة رغم أنف المحامين، لكن أحدهم غدر بالوزير وأذاع المسودة، و غدر غادر بغادر…
في المحصلة أدرك المحامون حقيقة الدسيسة، وحجم الخديعة، من أن مؤامرة تحاك ضد مهنتهم، وأن هناك رغبات في تصفية حسابات شخصية وتحقيق مكاسب ضيقة، وأن المحاماة ستكون العشب الذي تتصارع فوقه الثيران الهائجة، فقصد المحامون جماعات ووحدانا الرباط، وتجمهروا بالآلاف أمام مكتب وزير العدل في مقر وزارته ليفضحوا اجتماعه الملتبس، وليكشفوا للعلن أن المهن تنظم بعمل جماعي تشاركي، وأن اللقاءات السرية لا تكون إلا لإنجاز عمل غير قانوني، وهي من فعل العصابات وليس الوزارات.
واقع الحال أيها المواطنون أن الدولة بعد أن أجهزت على حقكم في التطبيب العمومي، وفي التعليم العمومي، وفي السكن اللائق، ورمتكم ورمتنا معكم بين أنياب المصحات الخاصة، والمدارس والمعاهد والكليات الخاصة، وصوب الأبناك بعقود قروض طويلة مجحفة، هي الآن وأقصد الدولة تتقصد حرمانكم من خدمات المحامين، وترك حياتكم وحرياتكم و ممتلكاتكم وجها لوجه مع المجهول ومع الضياع، فالقانون المنظم للمحاماة يجب أن يكون جوهره حاسما شاملا كافيا شافيا، يحمي حقوق المحامي من الغير ويحمي حقوق الغير من المحامي، وينتصب راسخا شاهدا على طرفيه، القانون الذي لا يقوي المهنة ولا يحصنها ويهتم بالقشور والزوائد ويختلق الترهات لا يستحق نعته بالقانون، بل يبقى مجرد لغو من لغى فلا حجة له.
المحامون يا سادة ليس كلهم كما يعتقد البعض، ليسوا كلهم أغنياء ولا كلهم أثرياء، بل هم أهل شرف وعفة ومروءة وأهل علم وموعظة وفكر، وهذا أصل من الأصول، وما دونه استثناء والاستثناء لا يقاس عليه، المحامون يقدمون خدمات جليلة وتاريخية وإنسانية للوطن وللمواطنين، المحامون يحرقون ذواتهم لأجل القيام بواجبهم، وواجبهم هو الدفاع عن مصالح الموكل أو الموكلين، فتعبهم أكبر بكثير من أتعابهم، ووزير العدل استخسر فيهم قانونا منصفا، واختار لهم الكولسة منهجا، وآثر البحث له عن سبي سياسي على واقع المهنة التي جعلت له ذِكرا وصيتا واسما.
لذلك سيحتج المحامون مثنى وثلاث ورباع وإذا أصر وزير العدل على نشوزه وشقاقه فإنهم سيبتكرون أشكالا نضالية أخرى ستجعل النصر في نهاية المطاف حليف الحوار والنقاش…
نخبركم بهذا لكل غاية مفيدة، حتى يحدث الحاضر منكم الغائب، والسلام عليكم .