
almizan.ma
الحكمة التاسعة
(تَنَوَّعَتْ أَجْناسُ الأَعْمالِ لَتَنَوُّعِ وارِداتِ الأَحْوالِ )
تعريفات:
لتنوع : تنويع الشيء: تكثيره واختلاف ألْوَانِهَ وَأشْكَاله
الجِنْسُ: الأصل
الأعمال هنا عبارة عن حركة الجسم
ورَدَ: يرِد، رِدْ، وَرْدًا ووُرودًا، فهو وارد، والمفعول مورود
الأَحْوالِ: جمع حال الوقْتُ الذي أنت فيه. .يقول الشريف الجرجاني في كتاب التعريفات: ( الحال في اللغة نهاية الماضي وبداية المستقبل والحال عند أهل الحق معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو قبض أو بسط أو هيئة ويزول بظهور صفات النفس سواء يعقبه المثل أم لا ، فإذا دام وصار ملكا يسمى مقاما، فالأحوال مواهب، والمقامات مكاسب ، والأحوال تأتي من عين الوجود ، والمقامات تحصل ببذل المجهود) .
الصفات أصول للأسماء والأحوال فروع عنها. وكذلك كل فرع من الأعمال تابع لما شاكله من أصوله من الأحوال. فتنوع الأعمال بتنوع الأحوال التي هي آثار وأنوار لتلك الأسماء. فبحسب ما فتح للعبد من التعرف وكشف له من مصونات الأسماء يكون قيامه بمقتضياتها من آداب العبودية. فبقدر تنوع تجليات أنوار الأسماء يكون اختلاف أجناس الأحوال ولذلك افترقت أنواع أعمال التزكية بحسب ما للقلب من الصفا والاستعداد لقبول الواردات عليه لشهود كمال أسماء ربه وصفاته، فالسالك الصادق المريد وجه ربه، كلما بدا له منها علم ازداد شوقا ومحبة وظمأ لا يشبع من معرفة محبوبه أبدا ، قد تجلت على قلبه أنوارها فانصبغ قلبه بمعرفته ومحبته فسجد بين يدي سيده خاضعا خاشعا ذليلا منكسرا ، سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء، سرت المحبة في أجزائه فلم يبق فيه عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب، قد فني بحبه عن حب غيره، وبذكره عن ذكر السوى ، وأنسه بمولاه أوحشه ممن سواه.
فتنوع أجناس الأعمال الظاهرة بتنوع الأحوال الباطنة لأن أعمال الجوارح تابعة لأحوال القلوب. وفي الحديث 🙁 أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). فإذا وصل إلى القلب نور صفة من صفات خالقه، وشهد معنى اسمه المتعلق بتلك الصفة، وتجلى سبحانه على قلب عبده بذلك الإسم اقتضى منه عبودية خاصة من جهة الجلال والجبروت، أو من جهة الجمال والملكوت.
فالتجلي بالجلال والجبروت يورد على القلب قبضا ملزما للخوف والفرار، فيظهر على الجوارح أثره من السكون. أما التجلي بالجمال والملكوت فإنه يورد على القلب بسطا ملزما للفرح والطلب، فيظهر على الجوارح أثره من الخفة والحركة.
فالله تعرف إلى عباده بكلامه ، فقوله سبحانه: (هو الأول و الآخر) يقتضي عبوديتين .
فعبوديته بإسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والالتفات إليها وتجريد النظر إلى سبق فضله ورحمته ، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد. وعبوديته باسمه الآخر تقتضي عدم الوثوق بالأسباب والوقوف معها لأنها تنعدم وتنقضي. فالتعلق ﺑﻬا تعلق بعدم، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول.