كتاب الراىمنوعات

أمي الغرباوية/ خاطرة 34

الميزان/ الدار البيضاء: د.سعيد الناوي

almizan.ma

أمي الغرباوية/ خاطرة 34
الميزان/ الدار البيضاء: د.سعيد الناوي
كنت كلما دققت بابهم لأستعجل ولدهم و اصطحبه إلى المدرسة ، سمعت “امي الغرباوية””تعدد”و لا أكاد أتبين من”تعدادها إلا قولا واحدا “لا سماحة لك ياالغرباوي”…!
و كنت إذا رجعت مع ولدهم إلى حيث يسكنون، وجدتها “تعدد”بصوت حزين : “لاسماحة ليك آ الغرباوي”..و الذي كان يحيرني كثيرا هو أن “عبد الكبير ” ، لم يكن يكثرت ل”تعداد”والدته. فعرفت أنه تعود على سماع هذه “اللازمة” الحزينة و البليغة، من إمرأة إقتربت من آخر محطة في قطار الحيلة الصدئة المعذبة ..لم أكن أسأل ” عبد الكبير ” عن معنى ما تقوله والدته ” أمه الغرباوية”، و لا عن من يكون هذا “الغرباوي” و لمل عن سر عدم غفرانها له….كلما حللت بدارهم أو ناديت عليه أو جالسته أين أو تناولت معه شيئا من الخبز و الشاي…كلما ترددت لازمة اللاسماح الغرباوي ، و عبد الكبير وإخوته لا يجدون غضاضة في أن أحضر “تعداد””والدتهم أو أن أسمعه من خلف الباب إستراقا ، ينساب خفيفا عذبا إلى حد أنني أرهف سمعي ، و أنا متسمر في مكاني….. أدركت أنهم يحبون “تعداد”والدتهم..لربما… أو قل أنهم ألفوا سماعه، و لربما ازعم أيضا لن يغفروا للغرباوي، و لربما ارتضوه لانهم عرفوا أنه “يداوي والدتهم،و من الحزن ما يداوي و من البكاء الصامت ما يشفي الصدور”…
كانوا ثلاثة ذكور، و ثلاث بنات، و” امي الغرباوية” فقط…
لم أر قط رجلا دخل عليهم ذات يوم بإسم الأب ، أو إسمه الغرباوي…و قد تجرأت و سألت عبد الكبير عن سر هذا التعداد الذي يعحبني و يخيفني، و عن هذا الغرباوي الذي لن تسامحه أمهم الغرباوية..كان جواب عبد الكبير مؤلما..”إنه أبي…خرج و لم يعد..!
خرج منذ سنوات…..
و لا نعلم أين ذهب…هو لا يسأل عنا..تركنا صغارا..و كما ترى فنحن نقطن هذه “البراكة”ونشترك مرافقها جميعا و نستعين بالشمع في تبيان ملامح بعضنا و ملامح الأسطر و الحروف في كتبلنا الذي نقرأ فيه بعض من “سلوى مريضة. و يوسف يمثل….”…و أما الماء، فنسقيه من حنفية دور الصفيح المشتركة مع مراحيض العامة…..نشترك فيه كل شيء ..نشترك فيه الكشف عن عورات النساء و الرجال…..سألته أن يدلني على المرحاض المشترك….جئته ..وجدته قبوين بدون باب،
و بداخله مستطيلان، لا باب لهما أيضا…أحدهما للرجال و الآخر للجنس الآخر، بدون باب؟!
سألته كيف يقضي الإنسان ما يقضيه و المستطيل لا باب له؟؟
و كيف أرى المرأة تقضي هناك و الرجل يقضي هناك و لا باب يفصله هذا عن هذه؟
و كيف تسقون من صنبور هذا”الذي لا يسمى”و الناس قرفان للحاجة ؟
آلمني المشهد، كما أصبح يؤلمني تعداد “امي الغرباوية “.آلمني حال صاحبي..
آلمني أنني لا أملك له حيلة و لا حولا.. غير أنني لم أحقد على “الغرباوي” . لأنه قرر أن يخفف عن الأهل ، فهاجر لاينقص الألم؟!
نقص رقم من ثمانية ، و ترك السبعة يشتركون ما هو مشاع مع مئات القوم في كاريان سيدي عثمان…تركهم يشتركون “البراكة”، فلو بقي معهم لزاحمهم المبيت و المرحاض و الماء الذي يسقونه بعد أن يصدر الرعاع…هكذا كنت أنظر إلى “الغرباوي”و هكذا كنت أنظر إلى تلك البئيسة “امي الغرباوبة “و إلى ذلك البئيس علد الكبير الذي يقرأ على نور الشمع و يلبس ما يعافه الغير .
سألت نفسي :”هل يستشعرون الألم كما نستشعره نحن، و إذا، كيف يقبلون أن يتكدسوا في “براكة بسبعتهم؟
كنت أسأل و أنا ابن التاسعة ربيعا ، و وعيت أنهم يحسون كما نحس و لكنهم مختلفون..و كلما كبرت و دامت علاقتي بعبد الكبير، زادت حدة تساؤلاتي، عن ما إذا كانت الجماعة المكونة للكيان الشرعي تستطيع أن تحيا حياة “امي الغرباوية” و عبد الكبير ؟
لقد كنت و عبد الكبير نقرأ عن المواطنة ؟
في الصباح،
حتى إذا عدنا لم نجد لما قرأنا شاهدا و لا مشهودا..فأنكرت الدرس كما أنكره عبد الكبير
لقدو كان” تعدادا” صادقا أكثر من درس مادة الإجتماعيات
ماتت “امي الغرباوية”…هاجر صاحبي…بقيت البراكة..تفرق الإخوة الذكور..تاهات أختاه..سافرت الكبرى….رجع عبد الكبير و قد صادفته في المسجد دون أن أسأل…
و كأنني عدت بنفسي إلى حيث كنت لا أسأل،
حينما كنت ألج “البراكة “لأصطحب عبد الكبير إلى المدرسة ،
حينما كنت أستمع “لتعداد امي الغرباوية”. و أتمتع به و أخافه منه!!…ماتت “امي الغرباوية:..فما أشجى”تعدداك “!!و ما أقسى أيامك… و ما أشد ما مر ، و ما أقبح ما صنعت بك مادة التاريخ و الجغرافيةا
فماذا ذلك الحين و أنا لا أعترف بالجغرافيا و لا بتاريخ السبعينات..
سعيد الناوي.غفر الله له و تجاوز عنه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى