مجرد رأي / الإضرابات المتكررة للنساء ورجال التعليم بالمغرب: أزمة حقيقية أم احتجاج مشروع؟
الميزان/ الدار البيضاء: ذ.محمد ازوين
almizan.ma
مجرد رأي / الإضرابات المتكررة للنساء ورجال التعليم بالمغرب: أزمة حقيقية أم احتجاج مشروع؟
الميزان/ الدار البيضاء: ذ.محمد ازوين
في خضم النقاش الدائر حول الإضرابات المتكررة للنساء ورجال التعليم بالمغرب، والتي بلغت ذروتها خلال الموسم الدراسي الحالي 2023/2024، لا يسعني إلا أن أعبر عن أسفي لما آلت إليه الأوضاع بالمدرسة المغربية العمومية.
فالمغرب، الذي كان سباقا في إصلاح التعليم، أصبح اليوم يشهد حالة من الركود والتراجع.
ولعل ما يزيد من شعوري بالعبث، هو أنني اشتغل كمدير تربوي بمدرسة خصوصية، حيث أشرف على تعليم أبناء جزء من هذا الوطن، بينما ابني يضيع بالمدرسة العمومية من جراء الإضرابات المتكررة للأطر التربوية.
**مغرب التناقضات**
إن ما يحدث في قطاع التعليم المغربي، يعكس حقيقة مغرب التناقضات.
فمن جهة، نجد أن الحكومة تعلن عن التزامها بإصلاح التعليم، ومن جهة أخرى، نجد أن الوزارة الوصية على القطاع، لا تبذل ما يكفي من الجهود لمعالجة المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم، وتوفير الشروط اللازمة لضمان سير الدراسة بشكل منتظم.
ولعل هذا التناقض، هو الذي أدى إلى استمرار الإضرابات المتكررة، والتي أصبحت ظاهرة مألوفة في قطاع التعليم المغربي.
**دعوة إلى الحوار**
في ظل استمرار هذه الإضرابات، فإن الحل الوحيد، هو إجراء حوار جاد بين الحكومة ونقابات الشغيلة، من أجل التوصل إلى حل يرضي الطرفين، ويضمن حقوق الشغيلة، ويحافظ على سير الدراسة.
ولعل هذا الحوار، يجب أن يشمل جميع الأطراف المعنية بالقطاع التعليم، من أجل وضع تصور شامل لإصلاح هذا القطاع، وضمان جودة التعليم، ومستقبل التلاميذ.
** بداية الأزمة**
شهد قطاع التعليم بالمغرب، خلال الموسم الدراسي الحالي 2023/2024، تكرارًا غير مسبوق للإضرابات، التي خاضتها مختلف النقابات والجمعيات المهنية للنساء ورجال التعليم.
وبدأت هذه الإضرابات في شهر أكتوبر 2023، بإعلان التنسيق الوطني لقطاع التعليم، الذي يضم 17 تنسيقية، خوض إضراب وطني إنذاري لأربعة أيام، احتجاجًا على تجاهل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لمطالب الشغيلة.
وبعد انتهاء هذا الإضراب، أعلنت نفس التنسيقية خوض إضراب وطني مفتوح، بدأ في 7 نونبر 2023، وشمل جميع قطاعات التعليم، بما في ذلك التعليم العالي.
ويأتي هذا الاحتجاج، الذي يمتد حتى الآن، في إطار المطالبة بمجموعة من المطالب، منها:
* إلغاء القانون الأساسي لموظفي قطاع التعليم، الذي اعتبرته النقابات غير منصف للنساء ورجال التعليم.
* رفع الأجور، وتحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للنساء ورجال التعليم.
* تقليص الكثافة الطلابية في الفصول الدراسية.
* توفير الوسائل التعليمية والتجهيزات اللازمة لضمان جودة التعليم.
وقد لقي هذا الاحتجاج دعمًا واسعًا من قبل العديد من القوى السياسية والجمعيات المدنية، التي دعت إلى ضرورة الاستجابة لمطالب الشغيلة.
**الأزمة الحقيقية**
يرى العديد من المراقبين أن هذه الإضرابات المتكررة تعكس وجود أزمة حقيقية في قطاع التعليم بالمغرب.
فالقانون الأساسي لموظفي قطاع التعليم، الذي صدر في عام 2022، لم يلبِ انتظارات الشغيلة، واعتبرته النقابات غير منصف، لأنه لم يحقق المساواة بين النساء ورجال التعليم، ولم يعالج العديد من المشاكل التي تعاني منها الفئة، مثل الكثافة الطلابية، وضعف الأجور، والنقص في الوسائل التعليمية والتجهيزات.
كما أن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للنساء ورجال التعليم بالمغرب، تعاني من العديد من المشاكل، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسكن، وضعف التغطية الاجتماعية.
ولعل هذه العوامل، مجتمعة، هي التي أدت إلى اندلاع هذه الإضرابات المتكررة، التي أصبحت ظاهرة مألوفة في قطاع التعليم بالمغرب.
**الاحتجاج المشروع**
من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه الإضرابات هي احتجاج مشروع، يهدف إلى تحقيق مطالب الشغيلة، التي تسعى إلى تحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي، وضمان جودة التعليم.
ويعتبر هؤلاء أن هذه الإضرابات هي وسيلة للضغط على الحكومة، من أجل الاستجابة لمطالب الشغيلة، وضمان حقوقها المشروعة.
**المستقبل المجهول**
لا يزال مستقبل هذه الإضرابات غير معروف، حيث لم يتم التوصل إلى أي حل وسط بين الحكومة ونقابات الشغيلة.
وإذا استمرت هذه الإضرابات، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيل الدراسة، والإضرار بمستقبل التلاميذ.
ولعل الحل الأمثل لهذه الأزمة، هو إجراء حوار جاد بين الحكومة ونقابات الشغيلة، من أجل التوصل إلى حل يرضي الطرفين، ويضمن حقوق الشغيلة، ويحافظ على سير الدراسة.
**التلاميذ ضحايا الإضرابات المتكررة**
لا شك أن التلاميذ هم الضحية الأولى للإضرابات المتكررة للنساء ورجال التعليم بالمغرب.
فكل إضراب يتواصل يومًا واحدًا، يعني خسارة يوم دراسي كامل للتلاميذ، وهو ما يضاعف من عبء الدراسة عليهم، ويصعب عليهم اللحاق بالمنهج الدراسي، خاصة وأن أغلبهم يعاني من ضعف التحصيل الدراسي.
وإذا استمرت هذه الإضرابات، فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج وخيمة على مستقبل التلاميذ، منها:
* تراجع التحصيل الدراسي، وانخفاض معدلات النجاح في الامتحانات.
* زيادة نسبة التسرب المدرسي، وانتشار الأمية.
* حرمان التلاميذ من فرص التعلم والتطوير، وبناء مستقبلهم.
**من المسؤول عن ضياع 9 ملايين تلميذ؟**
المسؤول عن ضياع 9 ملايين تلميذ، هم الحكومة ونقابات الشغيلة على حد سواء.
فحكومة المغرب، لم تبذل ما يكفي من الجهود لمعالجة المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم، وتوفير الشروط اللازمة لضمان سير الدراسة بشكل نهائي منتظم.
أما نقابات الشغيلة، فقد لجأت إلى أسلوب الإضرابات كوسيلة للضغط على الحكومة، دون مراعاة الأضرار التي تلحق بالتلاميذ.
ولعل الحل الأمثل لهذه الأزمة، هو أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في معالجة مشاكل قطاع التعليم، وأن تفتح باب الحوار مع نقابات الشغيلة، من أجل التوصل إلى حل يرضي الطرفين، ويضمن حقوق الشغيلة، ويحافظ على سير الدراسة.
**دعوة إلى الحوار**
في ظل استمرار الإضرابات المتكررة، وقرب نهاية النصف الأول من العام الدراسي، فإن الحل الوحيد لهذه الأزمة، هو إجراء حوار جاد بين الحكومة ونقابات الشغيلة، من أجل التوصل إلى حل يرضي الطرفين، ويضمن حقوق الشغيلة، ويحافظ على سير الدراسة.
**تكافؤ الفرص بين التعليم العمومي والخاص**
ينص الدستور المغربي على أن التعليم حق لجميع المواطنين، بغض النظر عن انتمائهم الاجتماعي أو الاقتصادي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الواقع يعكس وجود تفاوت كبير بين التعليم العمومي والخاص بالمغرب.
ففي التعليم العمومي، تعاني الفصول الدراسية من الاكتظاظ، وتنقصها الوسائل التعليمية والتجهيزات اللازمة، كما أن الأجور التي يتقاضاها المعلمون لا تتناسب مع حجم العمل الذي يقومون به.
أما في التعليم الخصوصي، فإن الفصول الدراسية صغيرة، وتتوفر على الوسائل التعليمية والتجهيزات الحديثة، كما أن الأجور التي يتقاضاها المعلمون أعلى بكثير من الأجور التي يتقاضاها المعلمون في التعليم العمومي.
وهذا التفاوت بين التعليمين يؤثر بشكل كبير على فرص التلاميذ في الحصول على تعليم جيد.
فالتلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم العمومي، يكونون في وضعية أقل حظًا من التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم الخصوصي، حيث يواجهون صعوبات أكبر في التحصيل الدراسي، ويكونون أكثر عرضة للتسرب المدرسي.
**الخاسر الأكبر**
الخاسر الأكبر من هذا التفاوت بين التعليمين، هم التلاميذ الذين ينتمون إلى الأسر الفقيرة أو المهمشة.
فهؤلاء التلاميذ، يكونون محرومين من فرص الحصول على تعليم جيد، مما يحد من فرصهم في الاندماج في المجتمع، وبناء مستقبلهم.
ولعل الحل الأمثل لهذه المشكلة، هو إصلاح التعليم العمومي، وجعله أكثر جاذبية للمواطنين، وذلك من خلال توفير الشروط اللازمة لضمان جودة التعليم، ورفع مستوى الأجور للمعلمين.
وإلى أن يتم ذلك، فإن التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم العمومي، سيظلون يشكلون الخاسر الأكبر من هذا التفاوت بين التعليمين.
ولعل هذا الحوار، يجب أن يشمل جميع الأطراف المعنية بالقطاع التعليم، من أجل وضع تصور شامل لإصلاح هذا القطاع، وضمان جودة التعليم، ومستقبل التلاميذ.
ذ.محمد ازوين
باحث في التنمية البشرية وتطوير الذات
مختص في التطوير الذاتي