ضياع وسط درس عنوانه الرحمة وباطنه عذاب أم مكلومة
الميزان/ بوزنيقة : ربيع الكرعي
almizan.ma
ضياع وسط درس عنوانه الرحمة وباطنه عذاب أم مكلومة
الميزان/ بوزنيقة : ربيع الكرعي
على ضفاف مدينة بوزنيقة، حيث ترقد مآذن المساجد شامخةً، وقعت حكاية ألهبت القلوب بمشاعر متضاربة. في إحدى الليالي الروحانية وقلوب الناس معلقة بأبواب السماء، وقفت أم مكلومة على عتبات مسجد، تلملم دموعها وأنفاس قلقها؛ فقد ضلّ فلذة كبدها الطريق إلى حضنها بعد صلاة في بيتٍ من بيوت الله.
في الداخل، خيطت الأصوات صورة من التَّناقض، حيث الواعظ يتغنى بآيات الرحمة، بينما القلوب تحجّرت والإحساس تبلد أمام نداء أم تبحث عن ابنها الضائع.
شخص من بين الجمع، هازج بالإنسانية، حاول أن يجعل من منبر الواعظ صدى لأنين الأم، دون جدوى. إذ بوصاية الإمام تحجب الدعوات، وبلبس المأموم على الحقيقة تمضي الدقائق ثقيلة كجبال.
أما الأم المنكسرة، فلا تفتأ عيناها تزرفان في هدأة ليل بوزنيقة، ولا تزداد إلى تضرعٍ وصبر. وفي سرد الواعظ عن رحمة الرسول، لم يجد الطفل المفقود بين جدران المسجد غير نفقٍ من الغفلة والإهمال.
يصل الخبر إلى فتى صغير، يعرف الطفل الضال، فيجده جالسا في ركن يتأمل درسًا كان عذابًا لأمه. وبمشهد النبي الكريم يحنو على الطفل ويرشده الى الانتقال من درس الرحمة المغلفة الى رحمة أمه المكلومة ، ينقاد الصغير للحقيقة.
تكتشف الأم حِملَها الثقيل، وتصحو على أن المصيبة الحقيقية هي الجهل بدين يُتلى يوميًا ولكنه يُعمى عن تطبيقه على أرض الواقع. ويعود فلذة كبدها إلى حضنها، وقد حمل قلبه الصغير حكمة عجز عنها الكبار: إن ظاهر الكلام قد يغدو الرحمة، ولكن باطن الأفعال هو الميزان.
في لحظة اللقاء، ربما تعاهدت الأم مع نفسها ألا تترك روحها الصغيرة تحلق بلا وجهة، في عالم يُفترض أن يكون ملجأ الرحمة بنظرها وآياته عزاء لها، ولكن جهل القلوب حوَّله إلى ضياع وألم.
وتظل قصة الأم وابنها درسًا، يُهمس في آذان من يتلون الرحمة بألسنتهم أن يعيشوها بقلوبهم وأفعالهم؛ فالدين مواساة قبل أن يكون إلقاء، والمساجد بيوت للعابرين نحو النور، لا مكان لتاهات القلوب التي تفتقد العطف والحنان.