العقل العربي بين النقد والتحليل: استنادًا إلى أفكار عابد الجابري وآخرين
الميزان/ بوزنيقة: ذ.ربيع الكرعي
almizan.ma
العقل العربي بين النقد والتحليل: استنادًا إلى أفكار عابد الجابري وآخرين
الميزان/ بوزنيقة: ذ.ربيع الكرعي
لطالما كان موضوع “العقل العربي” محورًا للتأمل والتحليل من قِبَل العديد من المفكرين، ومن أبرزهم الفيلسوف المغربي عابد الجابري، الذي قدم رؤى نقدية جريئة حاول من خلالها سبر أغوار العقل العربي، وتحديد العوامل التي تشكله وتؤثر عليه. استنادًا إلى أطروحة الجابري، يمكننا القول إن العقل العربي يعاني من أزمات بنيوية راسخة تتطلب مراجعة جذرية إن أردنا بناء مستقبل فكري وثقافي يتسم بالإبداع والنقد.
مفهوم العقل العربي عند الجابري
في مشروعه الضخم “نقد العقل العربي”، يرى الجابري أن العقل العربي يعاني من انغلاق شديد بسبب الإرث الثقافي القديم، الذي يسيطر عليه منطق النقل أكثر من منطق العقل، مما جعل التفكير النقدي والإبداعي محدودًا. يشير الجابري إلى أن هذا العقل خضع، عبر التاريخ، لسيطرة النصوص الثابتة والتقاليد الجامدة، التي تعيق أي محاولة للتجديد والتحديث. ويرى الجابري أن الإشكال الأكبر يكمن في العقل الفقهي الذي سيطر على المجالات الفكرية الأخرى وأضفى على كل شيء طابعًا إقصائيًا، مما حدّ من قدرة العقل العربي على الاستقلالية والتجديد.
تأثُر العقل العربي بالتراث
يتطرق الجابري إلى فكرة هيمنة التراث على العقل العربي، فيشير إلى أن التعلق بالماضي والتقديس غير المبرر للنصوص القديمة يمنع العرب من خوض مغامرة الفكر والتساؤل. فالعقل العربي، كما يراه الجابري، يتعامل مع التراث بمنطق “النقل” لا بمنطق “العقل”، وهو ما يضعف روح النقد ويُكرّس التبعية الفكرية.
ويوافقه في ذلك العديد من المفكرين الآخرين، مثل محمد أركون، الذي دعا إلى “أنسنة” الفكر العربي من خلال إعادة قراءة النصوص الدينية بعيدًا عن التقديس الأعمى، وتحرير العقل العربي من الهيمنة التراثية التي تعيق تقدمه.
أزمة الحداثة والعقل العربي
تأتي أزمة الحداثة كمحور رئيسي في فكر الجابري، حيث يرى أن العقل العربي لم يستطع استيعاب قيم الحداثة بشكل كامل، وأن محاولات التحديث غالبًا ما باءت بالفشل لعدم انسجامها مع السياق الثقافي والفكري العربي. وقد أشار الجابري إلى أن تبنّي القيم الغربية بشكل أعمى لا يساهم في التطور، بل يؤدي إلى تشويه الهوية الثقافية والفكرية، مما يستدعي إعادة التفكير في كيفية الانتقال إلى الحداثة بطريقة تتناسب مع خصوصيات المجتمع العربي.
أهمية النقد وبناء عقل عربي جديد
يرى الجابري أن الخطوة الأولى نحو بناء عقل عربي جديد هي النقد الذاتي الجريء الذي يقوّض الأسس المتكلسة، ويفتح الأبواب أمام الإبداع الفكري. ويشدد على ضرورة التخلص من الجمود الفكري وتحفيز النقاشات التي تؤدي إلى تجديد الفكر العربي من الداخل. ومن هذا المنطلق، فإن العقل العربي في حاجة إلى إعادة بناء نفسه وتحرير ذاته من قيود التراث الثقافي المغلق.
نحو عقل عربي حر ومنفتح
إن التحولات التي يدعو إليها الجابري تستند إلى فكرة أن النهضة لا تتحقق إلا بعقل حرّ ومنفتح على الآخر، يتجاوز الهواجس الداخلية والانقسامات الأيديولوجية. وهذه الرؤية تستدعي منا أن نواجه أنفسنا بشجاعة وأن نسعى لإعادة التفكير في المسلمات التي تُكبّلنا.
خاتمة
تظل أفكار الجابري وآخرين ممن عالجوا أزمة العقل العربي ذات أهمية كبيرة في وقتنا الحاضر، حيث إن الحاجة ماسة إلى تحرير الفكر العربي من قيود الماضي. إن تأسيس عقل عربي جديد لا يتم من دون مراجعة نقدية حقيقية لتاريخنا الفكري والثقافي، ورؤية مستقبلية تستند إلى قيم الإبداع والتفكير الحر.
بقلم د.ربيع الكرعي باحث في الإنسان والمجال في الفكر المتوسطي