شرف المؤمن: المفاهيم، الوسائل، والتوعية العملية لحفظه
الميزان/ الجديدة : الدكتور عبد الرحيم أشن

almizan.ma
شرف المؤمن: المفاهيم، الوسائل، والتوعية العملية لحفظه
لاستثماره والاستئناس به في الأنشطة العلمية والدينية المرتبطة بالموضوع
الميزان/ الجديدة : الدكتور عبد الرحيم أشن
المقدمة:
يمثل العرض شرف الإنسان وعنوان كرامته، وهو قيمة إنسانية عليا تُقدّرها الفطرة السليمة وتؤكد عليها الشرائع السماوية، ويتبوأ مكانة سامية في الإسلام، إذ جعله من الضرورات الخمس التي لا يستقيم أمر الدين والدنيا إلا بحفظها. غير أن هذا المفهوم – برغم خطورته – قد تراجع حضوره في وعي الكثيرين، وخاصة الشباب، بسبب الانفتاح غير المنضبط، وتغيّر المفاهيم، وتراجع الدور التربوي والإعلامي.
في هذا البحث ستتم معالجة موضوع “العرض” من منظور شرعي وتربوي توعوي، مع توضيح المفاهيم، وبيان الوسائل، واقتراح آليات عملية لتحصين المجتمع، وبالأخص الشباب.
الفصل الأول: مفهوم العرض ومكانته في الإسلام؛
تعريف العرض:
في اللغة: يُقصد به مواضع المدح والذم من الإنسان، وما يُعاب عليه، ويشمل السمعة والشرف.
في الاصطلاح: هو موطن الكرامة والسمعة والنزاهة من التلوث الأخلاقي، ويشمل عفة الإنسان، والبعد عن الفواحش.
العرض في النصوص الشرعية:
القرآن الكريم: قال تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ” (النور: 23).
دلالة على عظمة جريمة النيل من العرض.
السنة النبوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه” (رواه مسلم).
السيرة النبوية: النبي انتصر للمرأة المسلمة التي نيل من عرضها في سوق بني قينقاع، مما يدل على أن العرض يمثّل عنوان الكرامة الفردية والجماعية.
العرض ضمن مقاصد الشريعة:
تُجمع كتب المقاصد على أن حفظ العرض داخل في حفظ النسل، وهو من الضروريات الخمس التي شرعت الشريعة لحفظها: (الدين، النفس، العقل، العرض/النسل، المال).
أي تفريط فيه يهدد أمن المجتمع واستقراره.
الفصل الثاني: الوسائل التي شرعها الإسلام لحفظ العرض؛
التحصين الإيماني والرقابة الذاتية:
الإيمان هو السياج الحقيقي لحماية العرض، لأنه يربط الإنسان بالله.
قال النبي: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”.
غرس قيمة الحياء والعفاف:
الحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو أساس العفة.
التربية على الاستحياء من الله ومن الناس تحفظ الإنسان من الانزلاق.
الضوابط الشرعية للعلاقة بين الجنسين:
تحريم الخلوة، الأمر بغض البصر، وجوب الحجاب، تحريم الزنا.
كل ذلك ليس تقييدًا للحريات بل صيانة للكرامات.
دور الأسرة في غرس مفاهيم الشرف:
– القدوة داخل البيت (سلوك الوالدين).
– توجيه الأبناء للمحتوى النظيف.
– الحوار المفتوح عن مفاهيم العفة والوقاية من التحرش والانزلاق.
دور الدولة والمجتمع:
* سن القوانين الرادعة للمتحرشين والمروجين للفجور.
* إشراك المدارس والإعلام في ترسيخ القيم الأخلاقية.
* تسهيل الزواج وتيسيره بوصفه وسيلة شرعية لحفظ العرض.
الفصل الثالث: التحديات المعاصرة لحفظ العرض؛
= الانفتاح الإعلامي والمحتوى الإباحي:
_ سهولة الوصول للصور والأفلام المخلّة.
_ ضعف الرقابة الأبوية، وغياب التوجيه.
_ تفكك الأسرة وضعف الحوار:
_ ضعف التواصل بين الأهل والأبناء.
_ انشغال الوالدين، وغياب التربية الوقائية.
= تزييف المفاهيم في الإعلام والمجتمع:
+ تصوير الممارسات الفاسدة؛ حرية شخصية.
+ تحقير العفة وربطها بالتخلف.
= تأخر الزواج وضعف البدائل الشرعية:
تكاليف الزواج، والبطالة، تدفع الشباب للوقوع في الفتن.
الفصل الرابع: أفكار عملية توعوية لحماية العرض وغرس الوعي بقيمته؛
= تصميم حملات إعلامية شبابية: رسائل قصيرة جذابة على منصات التواصل.
مشاركة مؤثرين ملتزمين من ذوي الاهتمام؛ لنشر رسائل العفة.
= برامج تدريبية مدرسية وجامعية:
أوراش عمل حول: “هويتي شرفي”، “قوة العفة”.
مسرحيات مدرسية ومشاهد تمثيلية توصل الرسالة بأسلوب فني.
= إنتاج محتوى بصري محفّز:
أفلام قصيرة تحاكي الواقع وتحذر من السقوط الأخلاقي.
شهادات واقعية لأشخاص ندموا على التفريط في العرض.
= ربط حفظ العرض بمفاهيم القوة والكرامة:
لا تعفف بلا وعي بذاتي كقيمة.
التوعية بأن حفظ العرض ليس فقط دينيًا بل هو نفسي واجتماعي.
= أنشطة تفاعلية:
مسابقات شبابية عن “قصة نجاح عفيفة”.
لقاءات شبابية مع مختصين في التربية والإرشاد.
تعزيز الزواج المبكر أو الدعم المعنوي للمقبلين عليه.
تسليط الضوء على مبادرات التزويج الجماعي.
= برامج تعافي لمن وقع في الخطيئة:
نشر ثقافة التوبة والتعافي.
جلسات دعم وإرشاد نفسي وروحي.
الخاتمة:
العرض ليس مجرد مسألة أخلاقية بل هو قضية وجودية.
حفظه هو حفظ للكرامة الإنسانية، وحمايته ضمان لاستقرار النفس والأسرة والمجتمع.
يجب أن نُعيد لهذا المفهوم قدسيته ومركزيته في خطابنا التربوي والوعظي والدعوي، وأن نبتكر الوسائل المناسبة التي تصل إلى عقل وقلب الشباب، فتوقظهم من غفلتهم، وتمنحهم مناعة ضد الفتن.