الفقه والشريعةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

دعوة الإسلام إلى احترام اختيارات الأمة والقوانين المنظمة للحياة

الميزان/ الجديدة: الدكتور عبد الرحيم أشن

almizan.ma

دعوة الإسلام إلى احترام اختيارات الأمة والقوانين المنظمة للحياة
الميزان/ الجديدة: الدكتور عبد الرحيم أشن
مقدمة:
يقوم التصور الإسلامي للحياة على مبدأ راسخ:
أن الإنسان خليفةٌ في الأرض، وأن الأمة جماعة مسؤولة، وأن الاجتماع البشري لا يستقيم إلا بنظامٍ عامٍّ تُحترم فيه القوانين، وتُصان فيه الإرادة الجماعية، ويُقوَّم فيه الانحراف بوسائل مشروعة.
وفي القرآن والسنة والسيرة وسيرة السلف شواهد قوية تؤكد أن الإسلام يؤصّل:
– احترام النظام العام؛
– احترام قوانين المجتمع؛
– احترام اختيارات الأمة؛
– احترام الشورى ومرجعية الجماعة؛
– الالتزام بالعهود والمواثيق؛
– إقامة العدل والحقوق عبر المؤسسات؛
– رفض الفوضى والتسيّب وتجاوز القوانين؛
– اعتبار “الخروج على النظام” فسادًا وإفسادًا..
وهذا الموضوع يعالج هذه الحقيقة من منظور تربوي – نفسي – روحي – اجتماعي –  علائقي– أخلاقي– سلوكي مع تنزيلات عملية معاصرة.
أولا: الأساس القرآني لاحترام خيارات الأمة والقوانين المنظمة للحياة؛
1. القرآن يؤسس لمبدأ الجماعة والشورى:
قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾؛
هذه الآية تؤسس لقاعدة:
أن إدارة الشأن العام ليست فردية ولا مزاجية، بل جماعية مؤسسية.
دلالة تربوية:
الشاب المسلم لا يتربى على “رأيي أصحّ”، بل على “رأينا أصوب”.
دلالة نفسية:
الانخراط في الشورى يولّد الانتماء والأمان النفسي، ويخفّض الشعور بالفوضى.
دلالة اجتماعية:
حين تتخذ الأمة قرارًا جماعيًا، فهو ملزم، مهما اختلفت القناعات الفردية.
2. القرآن يأمر بطاعة أولي الأمر:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾..
الدلالة:
“أولي الأمر” تشمل:
العلماء، القضاة، الحكام، وكل السلطات المسؤولة عن تنظيم حياة الناس.
طاعة أولي الأمر هي طاعة مؤسسية لضمان انتظام المجتمع.
أثر سلوكي:
الانضباط للنظام ليس خوفًا من العقوبة، بل التزامًا دينيًا.
أثر روحي:
احترام القانون هو من احترام أمر الله:
“التزم النظام = طاعة لله”.
3. القرآن يؤكد وجوب الوفاء بالعقود والقوانين:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾..
والقوانين المنظمة للحياة هي عقود اجتماعية مفوّضة من الأمة.
الجانب الأخلاقي:
المسلم لا يخون العقد الاجتماعي.
الجانب الاجتماعي:
احترام القانون يضمن كرامة الناس وحقوقهم.
4. القرآن يجرّم الفوضى والإفساد:
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾.
الفوضى، العنف، تجاوز القانون، أو فرض الرأي الفردي… كلها إفساد.
ثانيا: السنة النبوية ودعائم احترام النظام العام؛
1. الرسول ﷺ أقام مجتمعًا بقوانين واضحة:
كان ﷺ ينظم:
– البيع والشراء؛
– المرور والتنقل؛
– الأسواق؛
– العلاقات الأسرية؛
– الأمن العام؛
– القضاء؛
– الحقوق والحدود.
مثال:
منع الغش في السوق — هذا قانون تنظيمي، لا مجرد نصيحة.
2. احترام “حقوق الجماعة” مقدّم على رغبات الفرد:
قال ﷺ: “لا ضرر ولا ضرار”؛
وهو أصل في:
– حماية المجتمع من قرارات فردية خطيرة؛
– ضبط الحرية الشخصية بقانون يحمي الجميع..
3. تطبيق الأنظمة كان جزءًا من العبادة:
* إقامة الحدود؛
* ضبط السلوك؛
* احترام المرور (النهي عن الجلوس في الطرقات)؛
* ترخيص البناء؛
* تنظيم السوق؛
* عقوبات على الاعتداءات..
كلها تشريعات مدنية وقوانين اجتماعية.
4. الرسول ﷺ رفض الفوضى:
قال ﷺ في الحديث:”من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية”
هذا يبيّن أن رفض النظام العام = خطر اجتماعي/أخلاقي كبير.
ثالثا: السيرة النبوية نموذجًا للدولة المنظمة؛
1. وثيقة المدينة: أول دستور مدني في الإسلام:
– حقوق الأفراد؛
– حقوق الجماعات؛
– حرية المعتقد؛
– الأمن المشترك؛
– النظام المالي؛
– آليات حلّ النزاع؛
– الالتزام بالعقد..
دلالة تربوية:
الرسول ﷺ لم يبنِ المجتمع على “الأشخاص”؛ بل على القوانين.
2. احترام العهود الدولية:
رغم قوة المسلمين، التزم ﷺ بصلح الحديبية — احترامًا للعهد.
رسالة:
القانون فوق القوة.
3. تنظيم المجتمع المدني:
– جعل للسوق جهاز رقابة؛
– للأوقاف إدارة؛
– للجيش قيادة؛
– للقضاء مؤسسة مستقلة؛
– للطرق قواعد؛
– للبيئة آداب؛
الإسلام دين دولة منظّمة، لا مزاج فردي.
رابع: سيرة السلف والالتزام بالقانون؛
1. عمر بن الخطاب: دولة القانون قبل الأشخاص؛
– منع التلاعب في الأسعار؛
– تنظيم ملكية الأراضي؛
– ضبط الجباية؛
– احترام الدستور المالي؛
– منع الولاة من جمع التجارة بالسلطة؛
– مساءلة الكبار والصغار..
2. علي بن أبي طالب: القضاء فوق الجميع؛
قضيته الشهيرة مع اليهودي أمام القاضي شريح نموذج لاحترام القانون.
3. فقهاء الأمة: القانون هو مصلحة الأمة:
اعتبر العلماء “السياسة الشرعية” أداة لتنظيم المجتمع، شرط:
أن يقودها العدل ويحميها القانون.
خامسا: التحليل النفسي والتربوي؛
1. احترام القانون يولّد الأمان النفسي:
غياب القانون يولّد:
– فوضى؛
– خوف؛
– احتقان؛
– غياب الثقة،،
وجود القانون يولّد:
– الاستقرار؛
– الأمن الوجودي؛
– الطمأنينة الروحية..
2. الاحترام الجماعي للقانون يبني الهوية المشتركة:
الأمم القوية ليست التي تصرخ، بل التي تنظّم نفسها.
3. القانون يحمي العلاقات:
– الأسرة؛
– الجيران؛
– الأسواق؛
– التنقل؛
– السلم الاجتماعي..
كل علاقة محمية بالقانون.
سادسا: البعد الروحي؛
1. احترام النظام عبادة:
لأن:
– فيه طاعة لله؛
– فيه احترام لحق الناس؛
– فيه إحقاق للعدل؛
– فيه رعاية للأمة..
2. الانضباط قيمة إيمانية:
قال ﷺ: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”؛
وأعظم الإتقان: إتقان الانضباط الاجتماعي.
سابعا: أبعاد اجتماعية وعلائقية؛
1. القانون يحمي الضعفاء:
– الأرامل؛
– الأطفال؛
– المهاجرين؛
– الفقراء؛
– العمال؛
– النساء..
2. القانون يمنع تسلّط الأقوياء:
الإسلام رفض:
– الاحتكار؛
– الظلم؛
– الغش؛
– الاعتداء؛
– التسلط.
3. احترام القانون يحفظ العلاقات الأسرية:
* ميراث؛
* نفقة؛
* طلاق؛
* زواج؛
* نسب..
كلها لها قوانين صارمة لحفظ الروابط.
ثامنا: تطبيقات معاصرة واحترام اختيارات الأمة؛
1. احترام نتائج المؤسسات القانونية:
الإسلام يدعو لاحترام:
– الدستور؛
– القوانين المدنية؛
– القوانين المرورية؛
– الضرائب العادلة؛
– الأنظمة الاجتماعية؛
– المؤسسة القضائية؛
– قرارات الأغلبية المنظمة..
2. ترك الفتنة والاحتقان:
قال ﷺ:
“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”؛
مبدأ يردع كل خطاب فوضوي.
3. الالتزام بالقانون في الحياة اليومية:
أمثلة:
– احترام قوانين السير؛
– احترام قوانين البناء؛
– دفع الضرائب المشروعة؛
– الالتزام بعقود الشغل؛
– احترام القانون في المدارس؛
– احترام القضاء؛
– محاربة العنف الرقمي؛
– الالتزام بآداب الاختلاف..
تاسع: برنامج تربوي عملي؛
1. في مستوى الأفراد:
– تدريب على “الانضباط”؛
– تمارين احترام الوقت والقانون؛
– تعليم مهارات الحوار والشورى؛
– الوعي بأن الحرية مسؤولية..
2. في مستوى الأسرة:
– احترام قوانين المنزل؛
– احترام الحقوق والالتزامات؛
– تعليم الأبناء قواعد السلوك المدني؛
– الحوار حول معنى الشورى..
3. في مستوى المؤسسات:
– وضع مدونات سلوك؛
– نشر ثقافة احترام القوانين؛
– دورات في التربية المدنية؛
– تعزيز النزاهة والشفافية..
خاتمة:
الإسلام دين يؤسس لـ:
– مجتمع منظم؛
– قانون عادل؛
– مؤسسات قوية؛
– اختيارات جماعية محترمة؛
والتدين الحق ليس فوضى، ولا صراعًا مع الدولة، ولا فرضًا للقناعات الفردية، بل:
تدين منضبط، راشد، يحترم القانون، يحفظ النظام، ويخدم المصلحة العامة.
وهذا من تمام قول الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾..
ومن تمام قوله ﷺ:
“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا”.
د. عبد الرحيم أشن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى