بوفاة حسن مطر الظلم يفقد ألذ أعدائه
الميزان / الدار البيضاء: ذ.محمد الشمسي
almizan.ma
مات القاضي المتقاعد حسن مطر، بموته ينهار ركام من النزاهة والاستقلالية والكفاءة وقوة الضمير، كان حسن مطر واحدا من ألذ أعداء الظلمة والفاسدين، وهذا وحده يكفيه وساما تنعم به سيرته في الدنيا، ويتقبله الله به عبدا مع عباده الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ولأن الشهادة أمانة فإني أشهد على واحدة من مناقب الرجل التي تنضاف إلى أمجاده كي يستحق معها لقب إنسان بكل ما تحمله الكلمة من الدلالات، فذات يوم في رحاب المحكمة الزجرية بالدارالبيضاء، استشعرت حيفا يجتاح مسطرة، ويبتلع شابين اثنين تقرر إيداعهما السجن بلا شبهة ولا حجة، ولأن مهنتي أمانة ومسؤولية، ولأني أرفض أن أكون ذلك الشيطان الأخرس الساكت عن الحق، طرقت باب مكتب وكيل الملك آنذاك حسن مطر، ليس لأنتصر للشابين اللذين إئتمناني على مصيرهما وحسب، بل لأناصر القانون الذي جرى لوي عنقه لويا وأشكو له حجم الانعطاف والانحراف على روح النص حد التغافل، وجدته في مكتبه هادئا هدوء العابدين الزاهدين كأنه في خلوة ربانية، خبر الرجل عمق رسالتي من ملامحي، أدرك بفطرته أني لسان حق، فطلب على الفور المسطرة برمتها، واستدعى معها النائب المكلف بها، وتمحص الأوراق بروية، ثم تساءل سؤالا استنكاريا لم ينتظر عنه جوابا من النائب، وأمر بتسريح الشابين، بل وأمر بضم شكايتهما ضد المشتكية ومعها طبيب، وأمر بإرجاع المسطرة للضابطة القضائية للبحث مع الجميع، هكذا أعاد هذا القاضي النبيل الشابين من قعر الحبس ومنحهما الحرية التي كانت حقهما الأصيل، والمثير أن التحريات الجديدة أسفرت عن اعتقال السيدة والطبيب وعدم متابعة الشابين.
ظلت هذه الواقعة منقوشة في ذهني وأنا أعاين قاضيا بالنيابة العامة يمارس مهامه بخلفية قاضي الحكم، فلا اعتقال إلا بشبهة قوية أقرب إلى البرهان الساطع، ولا شطط في استعمال سلطة الملاءمة التي أسرف فيها المشرع.
لم أعاصر المرحوم حسن مطر في سنوات تقلده منصب القاضي الجالس، لكن وصلتني عنه روايات صحيحة المتن و السند، تجزم أن الرجل كان قاضيا حقيقيا، وقفت على صحة الأحاديث عنه أثناء معاصرتي له، وجدته يتحرك و يشتغل خارج مكتبه أكثر ما يغلق عليه الأبواب، كان يتجول في ردهات المحكمة وممراتها وسراديبها وقرب قاعاتها بتؤدة ورفق، ولا يترك فيها مكانا إلا استطلعه استطلاع الحازمين، بسكينة العلماء، وببسمة الحكماء، يمشي الهوينا منصتا لكل من قصده، كان شبيها بما يروى عن خليفة من خلفاء المسلمين الذين يتعقبون المظالم لردها لأهلها.
وعندما أحيل المرحوم على التقاعد، آثر أن يبقى خادما لأعتاب العدالة، واعظا فوق تلتها، فاختار مهنة المحاماة محرابا، كان على وشك أن يرتدي البدلة السوداء قبل أن يأتيه نبأ الحاجة إلى نزاهته ووضوحه وواقعيته ويلتحق برئاسة النيابة العامة بالرباط طاقة إضافية متجددة تنضح بمحاربة الفساد والفاسدين…
رحمك الله أيها الرجل المقدام، أيها القاضي الذي اجتمعت فيك كل الأركان والسنن التي تشترط في القاضي، شاء الله أن يختارك إلى جواره في دار البقاء، سنذكرك في هذه الدار الفانية ما بقي لنا من أعمار، ونترحم عليك، فصيتك والتزامك وحبك وشموخك أمانة…