في يومهن العالمي: قصص نساء تخندقن إلى جانب الرجال لرفع راية التحرير
يشكل الثامن من مارس من كل سنة محطة مهمة بالنسبة للمرأة، تقف من خلالها على مختلف التطورات التي عرفتها في كل المجالات، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة….في هذه الورقة سنتحدث عن سيدات وهبن أنفسهن فداء للوطن و شاركن إخوانهم الرجال في محاربة المستعمر، فكانت ناقلة للسلاح والمعلومات حينا ومسعفة للجرحى وموفرة للمؤونة والملجأ حينا آخر، مساهمة بمالها وحيلها تارة، وفاعلة نشيطة في الميدان تارة أخرى، فلم تستكن أو تلن قناعتها ، بل ظلت واقفة في المواجهة وعلى ساحة النضال غير مبالية بالأخطار والأهوال التي تحف الطريق الذي أطلت منه شمس الحرية والاستقلال.
غير خاف على أحد ما قامت به المرأة المغربية إبان فترة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية لقد كانت المرأة المغربية حاضرة بصفة أو بأخرى في قلب الأحداث والمعارك النضالية والبطولية التي خاضتها حركة المقاومة وجيش التحرير.حيث دافعت عن المبادئ النبيلة إلى آخر رمق من حياتها. فمن ضمن هذه النساء المتمبزات كانت شهيدات قدمن أرواحهن فداءا للوطن من أجل زرع الحرية والديمقراطية، ومن أجل مجتمع يسوده العدل والازدهار والتقدم والانعتاق من قيود الذل والاحتلال.
و إن قامت هاته ىالنساء بالتخندق إلى جانب الرجال في الدفاع عن استقلال المغرب فإنهن لم ينلن نفس الاعتراف بالجميل الذي ناله الرجال و لم تسلط عليهن نفس الأضواء رغم أن عددهن ليس باليسير
فإذا عدنا إلى إحصائيات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير فإن الحاملات لصفة مقاومة يبلغ حاليا 446، 303 منهن نشطن في فترة مقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، و56 شاركن في جيش التحرير بالشمال و87 شاركن في جيش التحرير بالجنوب.
ورغم أن المندوبية تؤكد وجود نساء كثيرات كن إلى جانب رجال المقاومة والفداء على درب الكفاح الوطني، إلا أن الإحصائيات التي تتوفر عليها تفيد باستشهاد 32 مقاومة. وأكبر عدد من المقاومات، سجلته الدار البيضاء التي احتضنت 102 مقاومة، فيما وجدت 50 مقاومة بالعيون، و39 بخريبكة و37 بأكادير و30 بوجدة، و21 بالرباط و13 بمراكش و11 بفاس، وغيرها من المدن من شمال البلاد إلى جنوبها
ثريا الشاوي… أول طيارة مغربية يغتال حلمها الفرنسيون
تعتبر ثريا الشاوي من الوجوه البارزة في تاريخ المقاومة النسائية بالمغرب. ولدت بمدينة فاس بتاريخ 14 دجنبر 1934، من عائلة فاسية. تعرضت لأول اعتقال وعمرها لا يتعدى 7 سنوات، حينما كانت تدرس بمدرسة «دار اعدييل» بمنطقة واد ارشاشة بفاس بتهمة تحريض التلاميذ على مقاطعة الدراسة احتجاجا على أحداث العنف التي وقعت سنة 1944.
تابعت الشاوي دراستها في فاس، ثم انتقلت مع والدها إلى الدار البيضاء سنة 1948، وهناك تابعت دراستها. كانت الشاوي أول فتاة تصعد إلى خشبة المسرح في سن الثامنة، حيث مثلت في بعض مسرحيات والدها. تعلمت سياقة الطائرات، بمدرسة الطيران بتيط مليل وهي المدرسة التي كانت حكرا على الفرنسيين. حصلت على شهادتها سنة 1951، وكانت قد حصلت على الصف الأول ضمن 41 تلميذا، وكان عمرها آنذاك حوالي 16 سنة وكانت أول امرأة تقود طائرة بالمغرب. مرت الشاوي بمراحل تكوين مدرسي وجمعوي ونضالي ومهني. كانت رمزا من رموز نساء المقاومة المغربية. وعندما عاد محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى كانت طائرتها ترمي المناشير فوق سماء مدينتي سلا والرباط مرحبة بعودة السلطان.
حرمت ثريا من فرحة الاحتفال بالاستقلال، إذ تعرضت أمام منزل عائلتها بالدار البيضاء يوم فاتح مارس 1956 للاغتيال في الوقت الذي كانت تستعد فيه لحضور أول اجتماع للإعلان عن تأسيس النادي الملكي للطيران. وقيل إن عصابة فرنسية مكونة من رجال الشرطة الفرنسيين مهمتها اغتيال المغاربة، هي من وقفت وراء اغتيالها. دفنت بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، وكتب على قبرها: الآنسة ثريا الشاوي شهيدة الوطن
رحمة حموش… منزلها أصبح مخرن لسلاح للمقاومين
مناضلة معروفة في أوساط المقاومة وجيش التحرير، اشتهرت باسم « رحمة البهلولية »، فهي من مواليد سنة 1906، بالخندق إحدى فرق البهاليل قرب صفرو. تزوجت لأول مرة بنقيب الزاوية القندوسية بصفرو، وهو عبد السلام القندوسي، تعلمت منه مبادئ الدفاع عن الوطن والتضحية من أجل التحرير.
وبعد وفاة زوجها بسنتين، تزوجت بمقاوم يدعى علي بن محمد، «زرع» فيها بذور المقاومة والنضال ضد الاستعمار الفرنسي، فأصبحت من بين النساء المناضلات في صفوف المقاومة المغربية، حتى أن منزل هذه المقاومة أصبح مقرا سريا يؤوي المناضلين، وكان رجال المقاومة يعقدون فيه اجتماعاتهم السرية. لم تثوان في نقل الأسلحة التي يغنمها المقاومون من الغارات التي يشنونها على الثكنات العسكرية.
كانت تدسها وسط كوم من الحطب، أو في سلاسل الغلل الخاصة بالقمح والشعير، كما كانت تحشر الرشاشات والبنادق في ملاحيف الصوف، وتحتفظ بها إلى حين يأتي دورها ويطلبها رجال المقاومة لتنفيذ أعمالهم الفدائية ضد السلطات الاستعمارية وأذنابها من الخونة. وبعد حصول المغرب على استقلاله، سلمت ما بقي من أسلحة ببيتها إلى الجهات المسؤولة بالرباط.
مليكة الفاسي.. الوسيطة بين محمد الخامس والحركة الوطنية
ولدت مليكة الفاسي 19 يناير 1919 بفاس، ترعرعت في بيت دين وعلم وتلقت تعليمها بالعاصمة العلمية. كانت الفتاة الوحيدة في الأسرة ضمن إخوتها الذكور. ألحقها والدها المهدي الفاسي الذي كان قاضيا بفاس ومكناس وبرشيد والفقيه بن صالح، بكتاب خاص بالفتيات ما بين 1928 و1930، حيث تلقت دراستها ب « دارالفقيه »، كتاب كان خاصا بالفتيات، ثم انتقلت لمتابعة دراستها على يد كثير من الأساتذة والعلماء.
كانت مليكة الفاسي، تتزعم حركة النهوض بالمرأة المغربية، وتطالب بإدماج الفتاة المغربية في الحياة العصرية، وطالبت بمتابعة دراستها بجامعة القرويين في الأربعينيات والخمسينات من القرن الماضي. كما كانت رمزا من رموز النضال النسائي المتعدد الأوجه، ورائدة الصحافة والكتابة النسائية. التحقت مليكة بالحركة الوطنية سنة 1937 وبالحزب الوطني، ثم حزب الاستقلال فيما بعد والذي استمرت فيه حتى الستينات لتتفرغ للعمل الخيري والإحساني. مليكة الفاسي هي المرأة الوحيدة التي وقعت على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، إلى جانب شخصيات وطنية بارزة.
كان بيتها بحسان بالرباط مكانا لعقد اجتماعات أعضاء الحركة الوطنية السرية، وشاع أن السلطان محمد الخامس كان يزور بيتها متخفيا للتنسيق مع أعضاء الحركة الوطنية. انتدب الوطنيون مليكة الفاسي لتلتقي بالملك محمد الخامس، ولتستفسر حول الأخبار وبما ينوي الوطنيون القيام به، وكان ذلك اليوم 19 غشت 1953، وكان الجنود يحيطون بكل أسوار التواركة بالرباط، وعند مقابلتها للملك قال لها: «ما كنت أتوقعه قد وصل وهاهم يتطاولون فيعلنون عن ملك آخر، فقالت له الفاسي أنه لن يكون ذلك»… فقال لها: « اسمعي يا مليكة إنني على يقين أنهم سيخرجونني من المغرب لا محالة ».
فاما… بعد أن شهدت مقتل أشقائها على يد المستعمر نذرت نفسها للمقاومة
أفنت فاطمة عزايز، المشهورة باسم «فاما» عمرها كله في النضال الوطني في مواجهة الاستعمار الإسباني في شمال المغرب بتطوان، والفرنسي في الجنوب والدولي في طنجة. كانت نموذجا للمرأة المناضلة التي انتقلت من المقاومة في سبيل تحرير الوطن إلى الانخراط في العمل السياسي بعد الاستقلال. من مواليد شفشاون شمال المغرب، ترعرعت وسط أسرة معروفة بمقاومتها للاستعمار الإسباني.
لم تكن فاما امرأة عادية بكل المقاييس، فمنذ صباها في جبال شفشاون مسقط رأسها إلى مجاورتها للسوق الشعبي بطنجة، اقتحمت ساحة المعركة من أجل الاستقلال بعد أن شهدت مقتل أشقائها على يد المستعمر. غادرت بيت والدها في ظروف صعبة وهي شابة لا يتجاوز عمرها 17 سنة، إذ هربت من الزواج الذي فرض عليها رغم رفضها. نزحت من موطن رأسها بشفشاون لتلتحق بالخلايا السرية التي تكبدت فيها كل المخاطر من أجل مغرب مستقل وذاقت كل صنوف التعذيب التي مارسها المستعمر على أعضاء الحركة الوطنية. انخرطت في صفوف جيش التحرير الوطني. كانت امرأة ثائرة ضد الاستعمار وضد الجهل وضد إقصاء المرأة من الانخراط في النضال والمقاومة، ووقعت في الأسر عدة مرات.
تعتبر فاما من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 1959. وشاركت في المؤتمر الإستثنائي للاتحاد الاشتراكي في يناير. ساهمت في تأسيس القطاع النسائي الاتحادي، وشاركت في التجارب الانتخابية لسنتي 1976 و1977، ثم غيرت مسارها إلى العمل الجمعوي للدفاع عن حقوق النساء في الجمعيات النسائية. كانت فاما نموذج المرأة المناضلة ورمز القوة والصلابة والعمل الإنساني للمناضلة الملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان.
لقد اكتفينا في هذه الورقة بذكر بعض الأسماء التي دونت أسماؤها في تاريخ المقاومة الوطنية في حين أن أخريات عشن في الظل و بقين كذلك فمن هن من قضت نحبها و منهن من تنتظر، إجمالا لم تكن المرأة المقاومة تكتفي بالطبيخ للمقاومين وغسل ملابسهم وإيصال الطعام لهم داخل السجون، وتضميد جروحهم ، ولم تكتف بإيصال الرسائل المشفرة، إلى المقاومين أو حراسة الأسلحة المخزونة في بيتها، بل أبت إلا أن تعلن نضالها وتقف جنبا إلى جنب مع شقيقها وزوجها وابنها الرجل وتعقد العزم على طرد جنود الاحتلال و هو ما تأتى لها بعد أن عانت و فقدت أحيانا الولد و الزوج و الأخ من أجل تحرير و إستقلال الوطن.