الفقه والشريعةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

*وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ*

الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف

almizan.ma

*وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ*
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
في زحام الحياة، حيث تتشابك الأصوات وتتصادم الوجوه، يُخيّل للمرء أن الكثرة أمن، وأن السير مع الجمع نجاة، ولكن في كتاب الله عكسُ ذلك، قال الله تعالى: “.. وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ(13)” (سورة سَبَأ)؛ فيكون القليل معيارًا، ويصبح الانفراد بالحمد والحقّ تاجًا لا يتقلّده إلا من سمت أرواحهم وتحرّرت من قيود الرياء والكسل، (( مر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم برجل في السوق، فإذا بالرجل يدعوا ويقول: ( اللهم اجعلني من عبادك القليل، اللهم اجعلني من عبادك القليل ..)؛ فقال له سيدنا عمر : من أين أتيت بهذا الدعاء ..؟؟ فقال الرجل: إن الله يقول في كتابه العزيز: *”وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ”*؛ فبكى سيدنا عمر وقال : *”كل الناس أفقه منك يا عمر”*..
ما أعجب أن يبكي الجبل، وما أصدق أن يرتجف الحديد حين تُمسّه كلمة من القلب!.. وهكذا، يصبح القليلون هم النخبة، لا بما يملكون من مال أو جاه، بل بما يملكون من يقين، وبما يهبون من صبرٍ وشكرٍ في زمنٍ يُباع فيه الرضا في الأسواق ويُشترى بمراوغة الكلام،.. إن أكثر الناس اليوم، حين يُنصَحون، بترك معصية كان ردهم: أكثر الناس تفعل ذلك لست وحدي !! وﻟﻮ ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺔ ” ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ” ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻮﺟﺪﺕ ﺑﻌﺪﻫﺎ ( ﻻ‌ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ـ ﻻ‌ ﻳﺸﻜﺮﻭﻥ ـ ﻻ‌ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ )، ﻭﻟﻮ ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺔ “ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ” ﻟﻮﺟﺪﺕ ﺑﻌﺪﻫﺎ ( ﻓﺎﺳﻘﻮﻥ ـ ﻳﺠﻬﻠﻮﻥ ـ ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ ـ ﻻ‌ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ ـ ﻻ‌ يسمعون )، ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : “ﻋﻠﻴﻚ ﺑﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻻ‌ ﺗﺴﺘﻮﺣﺶ ﻟﻘﻠﺔ ﺍﻟﺴﺎلكين، ﻭﺇﻳﺎﻙ ﻭﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﻻ‌ ﺗﻐﺘﺮ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺍﻟﻬﺎﻟﻜﻴﻦ ”، وكأن الجمع بلا رشد، قافلة تسير إلى المجهول، تسير لأن الجميع يسير، لا لأنها تعرف الطريق، فكن أنت المتميز في بحرٍ من التكرار، كن الصوت الذي لا يشبه الضجيج، كن النور وإن عزّ الضوء، ولا تستوحش طريق الحقّ، فقلة السائرين لا تنقص من سموّه شيئًا، كن أﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻴﻬﻢ : “وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ(13)” (سورة سَبَأ)، “َۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ(40)” (سورة هُود)، “ثُلَّةٞ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ(13) “وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ(14)” (سورة الوَاقِعَة)؛ فإن في التفرّد شرفًا، وفي العزلة عن الباطل مجدًا، وفي السير مع القلة سكينةً لا يدركها من ضلّت خطاه في دروب المقلّدين؛ فلا تغترّ بكثرة الهالكين، بل عش بطولك، قائمًا على الحق، وإن انتصب الجميع حولك في الركوع للباطل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى