almizan.ma
هل يصحّ الحديث عن أخلاقيات مهنيّة في اعلام جديد تتداخل فيه الحرفة مع الهواية، الصناعة مع التجربة والضوابط مع الانفلات والمهنة مع التسلية والصحافي المهني مع المواطن الصحافي وحيث هناك اليوم حوالى “ثلاثة مليارات وثلاثمئة مليون مواطن مستخدم للإنترنت”(1) لديهم فرصة أن يكتبوا وينشروا أخبارا وأفكارا وآراء وتقارير وأن يصوروا ويتلاعبوا بالصورة في المجتمع الذي نعيش فيه اليوم و الذي يطلق عليه البعض اسم مجتمع المعلومات والبعض الآخر مجتمع الاعلام.
فكيف اذن يمكننا في بيئة كهذه أن نطبّق الأخلاقيات المهنية التي تعني: مجموعة القيم والمعايير التي يعتمدها أفراد مهنة ما، للتمييز بين ما هو جيّد وما هو سيئ، وبين ما هو مقبول أوغير مقبول، والتي تعني اعلاميا المعايير الأخلاقية والضوابط التي يلتزم بها الصحافي أثناء عمله مدركا الصواب والخطأ في السلوك المهني والتي تؤكدها المواثيق الإعلامية واضعة قواعد العمل والممارسة والسلوك.
وهذه المواثيق المتعلقة بالعمل الإعلامي وكيفية التعامل بين زملاء المهنة، يصوغها في معظم الأحيان الاعلاميون أنفسهم من خلال تجمعاتهم المهنية المختلفة حماية للمهنة وحفاظا على مستواها وتحسينا لصورة الوسائل الإعلامية في نظر الجمهور، ومع ذلك هناك من يراها “من دون أنياب”.
ما المقصود بالإعلام الجديد؟
من التعريفات الأولية للإعلام الجديد، يعرفه قاموس التكنولوجيا الرفيعة High-Tech Dictionary
بالمختصر ويصفه بأنه اندماج الكومبيوتر وشبكات الكومبيوتر والوسائط المتعددة
وبحسب لستر Lester: الاعلام الجديد هو مجموعة تكنولوجيات الاتصال التي تولدت من التزاوج بين الكمبيوتر والوسائل التقليدية للإعلام، الطباعة والتصوير الفوتوغرافي والصوت والفيديو.
وهو أيضا في تعريف آخر الاعلام الرقمي الذي يقوم على التكنولوجيا الرقمية وخاصية التفاعلية طالما أنه يوفر العطاء والاستجابة بين المستخدمين لشبكة الانترنت (2).
وعلى هذا فان الاعلام الجديد في ورقتنا هذه هو الاعلام الرقمي-التفاعلي، وهو اعلام يشمل الصحافة الالكترونية (الإعلام الإلكتروني)، التدوين، التصوير الصحافي الرقمي، صحافة المواطن والميديا الاجتماعية او شبكات التواصل الاجتماعي (Social Media).
“هو الاعلام الذي بقدر ما أسهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصال في توسيع حرية التعبير فيه بقدر ما فتحت الباب على مصراعيه أمام أنماط جديدة من الانتهاكات الأخلاقية”(3). وبقدر ما يفترض أن تزيد من مسؤولية الصحافي المهني للتمايز ومعرفة كيفية استخدام هذا الاعلام الجديد للبحث والنشر والبثّ، وكيفية استخدام النصوص والصور الآتية من المواطنين في عمله، وكيفية اطلالته إعلاميا من المنصات المختلفة لهذا الاعلام الجديد.
وما قصدناه بالأخلاقيات المهنية في الاعلام الجديد: هي أخلاقيات الصحافي في تعامله مع مادته الإعلامية على الانترنت أكانت من أجل نشرها في موقع مؤسسته الإعلامية من موقعه المهني، أو على صفحته الخاصة في الفا يسبوك أو في حسابه على تويتر او انستغرام أو أي من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى من موقعه الاجتماعي كقائد رأي. ما يستتبع طرح السؤال الآتي: هل ما زالت المواثيق الأخلاقية الاعلامية التي وضعت قبل انتشار خدمات الانترنت صالحة لليوم والتي من بين موضوعاتها الكثيرة التركيز على النزاهة في العمل الصحافي، ودقة المعلومات وصدقيّتها، الأمانة وعدم تشويه المعلومات، الموضوعية في نقل الأخبار، تحسين نوعية المضمون، عدم الخداع في استخدام العناوين والصور، التصحيح وهو غير حق الرد، احترام الكرامة الإنسانية للفرد، عدم الانتحال (انتحال الأفكار) وعدم الاقتباس، وأخيرا عدم التعرض للزملاء.
هاجس قيم الصحافة التقليدية وأخلاقياتها:
هاجس الاخلاقيات الإعلامية في البيئة الرقمية بدأ باكرا عند المهنيين في الولايات المتحدة الأميركية، ففي ربيع العام 1997 أي بعد انتشار الانترنت بقليل، بفضل الويب الذي سمح لأناس عاديين باستخدام الشبكة الدولية، تداعى اتحاد الصحافيين الأميركيين ومركز بوينترPoynter المتخصص في قضايا الاعلام، الى لقاء مع مجموعة من المهنيين “البائسين” او “المتوجسين” من القادم الجديد الى الساحة الإعلامية، وذلك للتشاور حول إمكانية تطبيق أخلاقيات الصحافة التقليدية وقيمها على الاعلام الجديد (4).
وكان الجواب البديهي: أكيد نعم! وهل هذا الأمر يستوجب عقد مؤتمر للتباحث فيه؟ فالصحافي يبقى صحافيا أينما وجد واينما حلّ. وفي أي وسيلة إعلامية اشتغل، عليه ان يتبع الأخلاقيات نفسها والمعايير المهنية ذاتها التي تنطلق من مبدأ المسؤولية الاجتماعية التي انيطت بالوسائل الإعلامية منذ العام 1947 على أثر التقرير الذي رفعته لجنة هاتشينز الأميركية حول حرية وسائل الإعلام ودورها في المجتمع وذلك بعدما ارتفعت الصرخات في وجه الاعلام ودوره في التأثير بالآراء والأفكار وتحوله الى بوق دعائي سياسي ومنبر اعلاني ربحي. وقد كان همّ اللجنة الأساس الدفاع عن حرية الصحافة والتأكيد على “تنزيه المهنة وإبعادها عن الأخطاء والأهواء والتأثيرات المتنوعة عليها لأن الأخطاء التي ترتكبها الصحافة لا تعنيها فقط بل هي تتحول الى خطر يهدد المجتمع، فإن هي أخطأت فإنها تقود الرأي العام الى الخطأ”(5).
وتوالت بعدها المواثيق المهنية العالمية وأبرزها شرعة ميونيخ عام 1971 التي عرفت ب” اعلان واجبات الصحافيين وحقوقهم” وضمّت عشرة واجبات وخمسة حقوق للصحافيين، والتي اعتبرت “ان مسؤولية الصحافي تجاه الجمهور تتقدم على أي مسؤولية أخرى وبالذات تجاه الصحيفة التي يعمل لديها أو تجاه السلطات العامة”(6). كما توالت مواثيق التجمعات المهنية على الصعيد الدولي وعلى الصعيد الوطني والمجالس الصحفية والإعلامية وعلى صعيد المؤسسات الاعلامية نفسها، وجميعها ركّز على المسؤوليات الاجتماعية المنوطة بالصحافيين مثل إدراك تبعات ما يقومون به من أعمال على مجتمعاتهم.
ولكن الجواب على بديهية تطبيق الاخلاقيات المهنية التقليدية على الاعلام الجديد ليس بالأمر السهل كما بدا للوهلة الأولى. صحيح أن الصحافيين هم نفسهم ولكن الوسيط مختلف كل الاختلاف وهو أحدث بمجرد وجوده وبالخدمات التي قدّمها ويقدّمها من خلال التطوّرات المتسارعة فيه، ثورة على صعيد وظيفة الصحافة كحارس للبوابة الإعلامية، من حيث أن “مفهوم حراسة البوابة يعني: السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة الاتصال بحيث يصبح لحارس البوابة سلطة اتخاذ القرار في ما سيمرّ من خلال بوابته، وكيف سيمرّ حتى يصل في النهاية الى الجمهور المستهدف” (7).
فأدوات النشر هي اليوم بأيدي المواطنين الذين يستفيدون من خصائص الآنية والتفاعلية لأدوات الاتصال، ومن الوسيط الذي مكّنهم من المعلومة ومن المعرفة. وتبدو البيئة الإعلامية حاليا في حالة من “الفوضى” اذا جاز التعبير بمشاركة الصحافيين المهنيين المجال الاعلامي مع المغرّدين والمدونين والمواطنين الصحافيين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
وصارت الأخلاقيات المهنية على المحك أيضا من جراء المستجدات المتنوعة التي حملها معه مجتمع الاعلام بوجه المهنة الإعلامية في حد ذاتها وبوجه الحقل الذي تفعل فيه ذات المهنة، أو تتفاعل معه حاضرا ومستقبلا، هذه المستجدات استوجبت وتستوجب السرعة في جمع المعلومة ونشرها بطريقة آنية، في ظل طوفان من المعلومات.و كثرة المعلومات هنا تقتل المعلومة، لا بل وتخلق التشويش، ثم النسيان بمحصلة المطاف، بالنسبة للمتلقي. والإعلامي بدوره لا يستطيع المجاراة، اذ تحت ضغط السرعة والآنية، فإنه يضطر الى تجاهل مبدأ التحقق والتثبت من المعلومة، ولا يعير كبير اعتبار لمبدأ تقديم المعلومات وفق أولويتها أو أهميتها أو قيمتها عند المتلقي (8)
لبنانيا، الأمثلة كثيرة حول تجاوز أخلاقية دقة المعلومات في الاعلام الجديد، والخبر العاجل الذي يتصيّد المتلقي المستهلك يفعل فعله في هذا المبدأ وقد أصبح عاديا التدقيق بالخبر بعد نشره (وليس قبله)، وكأنه من صلب الأصول الجديدة للمهنة. على هذا المبدأ الجديد قرأنا وشاهدنا من بين ما قرأنا خبر موت أناس لم يموتوا مثل (خبر مقتل أسرى اعزاز) وقبلها قرأنا موت المطربة سلوى القطريب قبل أن تدنو ساعتها، ضاربا هذا الاعلام الجديد بعرض الحائط بتبعات نشر مثل هذه الأخبار، وغافلا عن مدى انتشارها عبر “التيار الإعلامي” أو ” المدّ الإعلامي “الجديد الذي تؤمنه الشبكة الدولية وبيئتها الرقمية.
وفي خبر أخف وطأة، تناقلت مجموعة من المواقع مؤخرا (9) خبر تضامن الممثلة الأميركية انجلينا جولي المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، مع لبنان بعد تفجيري برج البراجنة وأحداث باريس الإرهابية وذلك من صفحة فايسبوك لها غير رسمية، لم يكلّف أي من العاملين في هذه المواقع عناء التوقف ولو دقيقة للمراجعة والتحقق من الخبر! ولماذا التأكد طالما ان لا ضرر منه ربما بحسب مفهوم هذه المواقع.
واللافت في لبنان أن من يفترض فيه معرفة أخلاقيات المهنة وأعني به الاعلام التقليدي، هو من تخلى سريعا عن عباءته حين صار على الشبكة وبخاصة المحطات التلفزيونية على مواقعها الالكترونية وخدمتها للخبر العاجل.
في مبدأ عدم الخداع في استخدام العناوين والصور تفاجئنا أيضا محطات التلفزة اللبنانية في حمى المنافسة على السبق الصحافي بانها مستعدة لنشر صور يمكننا أن نصفها كأداة لتشويه المعلومات حين تنشر إحدى المحطات (الجديد) صورة جثة انتحاري ثالث في التفجير الإرهابي في برج البراجنة وهو في الأصل غير موجود نتساءل أين هي الأخلاقية المهنية التي تؤكد الكفاءة المهنية؟ والعكس صحيح.
نتساءل عن مهنية محطة أخرى (ال بي سي) حين تنشر على موقعها صورة جثة مغطاة مرفقة بخبر وفاة طالب على أثر سقوطه عن سطح أحد مباني الجامعة الأميركية في بيروت في 6/11/2013، والطالب لم يمت مباشرة بل توفي في المستشفى وليس على رصيف المبنى، وبعد البحث عن الصورة في غوغل تبين أن الصورة نشرت لأول مرة على الانترنت في أذار 2013 لحادثة وفاة امرأة في جدة. ولم تكتف المحطة بذلك بل عاودت ونشرت الصورة ذاتها بعد أشهر مرفقة بخبر حادثة أخرى، وكأنه يمكننا استخدام الأرشيف في هكذا أخبار؟! وهذا الأمر يجعلنا نتساءل عن السبب هل هو عدم كفاءة العاملين في المواقع الالكترونية؟ وبالتالي عدم تمسكهم بأخلاقيات المهنة؟ أم أن الاثارة والسرعة مطلبان جوهريان في السياسة التحريرية لهذه المحطة وغيرها في مجتمع الاعلام؟
في مسألة العلاقة مع الزملاء، بالأمس شاهدنا التعامل بين زملاء المهنة عند النقل المباشر للإفراج عن العسكريين اللبنانيين الذين كانوا مخطوفين لدى جبهة النصرة فكان هناك من يتهم الآخر بالعمالة لأنه يغطي مباشرة من وادي حميد!
في عدم الاقتباس، ماذا يمكننا القول عن المواقع التي تنقل الأخبار عن بعضها تنفيذا لسياستها التحريرية بشهادة عدد من طلابنا الذين يعملون فيها ويعانون من ممارسات تعلموا في كليات الاعلام أنها غير أخلاقية منها رصد عدد من المواقع والنقل عنها. وكم رأينا أخطاء طباعية نفسها وأخطاء لغوية ذاتها في الخبر نفسه المنشور في عدد من المواقع الإخبارية مما يساهم في تدني مستوى المضمون بشكل عام. وشاهدنا عددا من المواقع ينشر مقالات لكتاب مواقع أخرى، يملأون بها مواقعهم وكان يتم ذلك في البداية من دون ذكر المصدر.
بشكل عام، هل الانترنت وطوفان المعلومات فيها يدفعان الصحافي الى الكسل؟ وبالتالي الى انتحال أفكار غيره كما حصل مع مقدم البرنامج الشهير باسم يوسف في مقالته الشهيرة في صحيفة الشروق حول الازمة الأوكرانية في آذار (مارس)من العام 2014 والتي أقامت الدنيا عليه ولم تقعدها على الرغم من مقالة الاعتذار التي كتبها وعنونها “مقال الأزمة” والتي اعترف فيها بخطئه الجسيم وبأن ضغط العمل الذي جعله يسهو عن ذكر اسم الكاتب الأصلي ليس مبررا، وانهى المقالة بقرار التوقف عن الكتابة؟(10)
والأمر نفسه حصل في صيف 2012 مع الكاتب والصحافي الاميركي الشهير فريد زكريا، كاتب عمود في مجلة تايم ومقدم برنامج اسبوعي في محطة ال سي ان ان الذي اقتبس من نص لأكاديمية أميركية من جامعة هارفرد “جيل ليبور” نشر في النيويركر في نيسان(ابريل) 2012 من دون أن يشير الى ذلك فتمّ تعليق عمله آنذاك في المؤسستين رغم اعتذاره عن فعلته (11).
هذان المثلان الأخيران إن دلاّ على شيء فعلى الجانبين السلبي والإيجابي في بيئة الاعلام الجديد: استسهال السرقة والشفافية في الوقت نفسه.
أخلاقيات الصحافي في مواقع التواصل الإجتماعي:
هل يحق للصحافي في تعامله مع منصات مواقع التواصل الاجتماعي أن يتصرف كما يحلو له انطلاقا من مبدأ حرية الرأي والتعبير والتواصل؟
لا شك أن الصحافي (الإعلامي) صار يستعين كثيرا بهذه المنصات بعدما أصبحت مصدرا مهما للمعلومات بفضل الصفحات الخاصة والحسابات الخاصة التي يطل منها السياسيون والاقتصاديون والفنانون والرياضيون وغيرهم في تواصل مع جمهورهم من المتابعين ومن خلال صفحات كبريات وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية الدولية والمنظمات الدولية ومراكز الأبحاث…، ولكنه أيضا يلجأ اليها ليكتب آراءه وأفكاره وربما أشعاره وأراءه السياسية ويتبادل أطراف الحديث مع الأصدقاء الذين قد يكونون أيضا زملاء المهنة.
هل يحق للصحافي حين يعتمد شبكات التواصل الاجتماعي أن يتخلى عن مكانته كقائم بالاتصال الذي يجب أن يتمتع بمهارة الكتابة ومهارة التحدث وفك الرموز والقدرة على التفكير ووزن الأمور والتحليل؟ وهل يحق له أن يناقض سياسة مؤسسته الإعلامية؟
تبيّن التجارب العالمية المتقدمة ان استخدام الصحافيين للميديا الاجتماعية وتطبيقاتها المتعددة يخضع بشكل عام الى المواثيق الأخلاقية وآليات المساءلة المتصلة بالإعلام التقليدي وبالتالي الصحافي لا يتمتع بالحرية المطلقة في الفضاء الافتراضي بل يخضع لضوابط.
جاء في دراسة د. الصادق حمامي وعنوانها: ” الصحفيون وأخلاقياتهم في زمن الميديا الاجتماعية” (12) أن الصحافي ليس حرا في المطلق في الفضاء الافتراضي يتصرف كما يشاء دونما قيد كما يعتقد الكثيرون وذلك لسببين أساسيين أثنين: أولهما انتماء الصحافي الى مؤسسة حريصة على صورتها ومكانتها في المجتمع ولدى الجمهور ثانيهما المسؤولية الاجتماعية للصحافي باعتباره فاعلا اجتماعيا يقوم بأدوار أساسية في المجتمع تقتضي منه أن يتصرف بطريقة مسؤولة.
وفي هذا الاطار قامت الفيدرالية المهنية لصحافيي مقاطعة كيبيك في كندا بتطوير ميثاقها الأخلاقي بادراج مبادئ خاصة بالميديا الاجتماعية تؤكد على الالتزام بالمعايير المهنية العامة التي تطبق على الوسائط الإعلامية الأخرى وعلى الطابع العام لما ينشره الصحافي على مواقع الشبكات الاجتماعية وينص الميثاق أن الصحافي لا ينشر في هذه المواقع الاجتماعية ما لا يمكن له أن ينشره على صحيفته كما يجب عليه أن يلتزم بحماية مصادره على الشبكة والتأكد من مصداقية الأخبار والامتناع عن السرقات الفكرية والاشارة في كل الأحوال الى المصادر.
من ناحيتها أصدرت الجمعية الأميركية لناشري الأخبار أو للمحررين ( The American Society of News Editors ) دليلا اختزلت فيه القواعد التي وضعتها الصحف الأميركية لتنظيم استخدام الصحافيين للميديا الاجتماعية ويتضمن عشر قواعد كبرى أولها تنص على أن:
1- المبادئ الأخلاقية التقليدية يجب أن تطبق في الفضاء الالكتروني فلا ينشر الصحفي ما لا يرتضي نشره في الصحيفة. كما لا ينشر على مواقع الشبكات الاجتماعية ما يسيء اليه شخصيا أو مهنيا أو ما يسيء الى مؤسسته. وعلى هذا النحو لا يوجد مبرر الا تطبّق القواعد التقليدية الأخلاقية على المجال الالكتروني
2- يجب على الصحافي ان يتحمل مسؤولية كل ما يكتبه، لأن كل ما يكتبه يصبح عموميا حتى اذا كانت صفحة الصحافي خاصة وشخصية وغير مرتبطة بالمؤسسة وذلك بسبب صعوبة الفصل بين الفضاء الشخصي والفضاء العمومي.
وترى هذه الجمعية الأميركية أن الميديا الاجتماعية أدوات وليست لعبة، فالصحافيون يمثلون مؤسساتهم ولا يمكن لهم ان يتصرفوا بطريقة غير مقبولة على الشبكة.
وكذلك فعلت كل من وكالة الصحافة الفرنسية ورويترز والبي بي سي وان تميّزت الوكالة الفرنسية بتشجيع صحافيها على استخدام هذه المواقع للاستفادة منها على صعيد المعلومات والأبحاث، وعلى صعيد المساهمة في الإعلان عن الوكالة والدفاع عنها، كما انها سمحت لهم بنشر معلومات طريفة حول الفعاليات والأحداث كما يمكن لهم ان يستخدموا التويتر للحصول على معلومات جديدة(13)
تعامل الصحافة التقليدية مع الاعلام الجديد:
أثبتت الصحافة التقليدية أنها حريصة على مكانتها الاجتماعية من خلال محاكمة “نجومها” عند وقوعهم في الخطأ ومن خلال وضعها قيودا على تعاملهم مع الاعلام الجديد. وحرصها هذا لم يقف عند هذا الحد فلجأت الى “تربية” اذا -جاز التعبير- الصحافي المواطن من خلال مراقبة الاخبار الكاذبة والصور المزيفة التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفضحها كما فعلت صحيفة لوموند الفرنسية (Le Monde) و برز ذلك جليا في هجمات باريس الإرهابية يوم 13/11/2015 مؤكدة على دورها الاجتماعي في حماية أمن مجتمعها وتماسكه ومتسلمة زمام المبادرة في أحلك الايام وأصعبها(14)
أومن خلال وضع شرعة أخلاقيات الكتابة في المدونات والتعليقات على مواقعها الالكترونية تحدد فيها للمواطنين الراغبين بالكتابة ان يتقيّدوا بها والا أهملت نتاجاتهم ومنعت من النشر كما هو الحال مع صحيفة لو فيغارو الفرنسية (Le Figaro)(15)
وشاهدنا من ناحية أخرى تشجيعا من الصحافة التقليدية لنشر صحافة المواطن و التشجيع عليها وتجهيز منصات لها على مواقعها كما حصل في ست مؤسسات مصرية كبرى أطلقت في أيلول(سبتمبر) الماضي خدمات المواطن الصحفي عن طريق برنامج المحادثة “واتس آب” وغيره من الخدمات الرقمية، لإتاحة الفرصة أمام المواطن لإرسال خبر أو مقال رأي مكتوب ومصحوب بكافة وسائل الوسائط المتعددة المُساعدة من صور وفيديوهات وغيرها، واصفة اياها بأنها صحافة من والى المواطن وداعية المواطن الى صناعة الخبر اينما كان. ومن هذه المؤسسات : الأهرام، اليوم السابع، المصري اليوم، وكتابات مصراوية(16)
نتوجه الى بيئة يختلط فيها الاحتراف والهوايه ولا بدّ ان يتشاركا في صناعة وايجاد اعلام جديد جيّد المستوى يعي تماما تبعات افعاله على بيئته ومجتمعه والا فلا يكون ذلك اعلاما بل مجرد اتصال عبثي.
ولا بد أن يتشاركا أخلاقيات اعلامية عامة للجميع انطلاقا من مفهوم المسؤولية الاجتماعية ويمكن أن نبدأ هنا من لبنان من خلال:
اسراع العاملين في الصحافة الالكترونية في لبنان الى وضع ميثاق شرف اعلامي جديد خاص ببيئة العمل الجديدة احتراما لمهنتهم وارتقاء بمستواها وكشرط أساس لضمان الحرية الإعلامية تنظيما وسلوكا وممارسة، تحدد في هذا الميثاق واجبات وحقوق العاملين على الشبكة وبخاصة أن العديد منهم غير مسجل في جدول النقابة.
قيام كل مؤسسة اعلامية الكترونية بوضع ميثاق شرف خاص بها يحدد المقبول وغير المقبول فيها.
سن قانون اعلامي شامل يعيد تنظيم وتفعيل العمل الصحافي في لبنان ويجدد هيكلية نقابتي الصحافة والمحررين وضمّ العاملين على الشبكة اليها ضمن شروط علمية ومهنية محددة.
التشديد على اخلاقيات العمل الاعلامي في معاهد وكليات الاعلام في الجامعات العاملة في لبنان مع اقتراح تسليم المتخرجين منها شهادة الاعلام مع ميثاق الشرف الاعلامي الجديد.
ادخال مادتى التربية الاعلامية وأخلاقيات الاعلام في مناهج التعليم في المدارس طالما أدوات النشر والبث في أيدي التلامذة باكرا من حقهم ومن واجبهم التعرف على كيفية التعامل مع هذه الادوات بمسؤولية فيصبح ذلك جزءا من ثقافة المجتمع ككل.